الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسّ المصحف للمحدث حدثًا أصغر

السؤال

هل مسألة مسّ المصحف للمحدث حدثًا أصغر من مسائل الخلاف السائغ المعتبر، التي لا ينكر فيها على المخالف؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المحدث حدثًا أصغر، لا يجوز له مسّ المصحف، هذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم، جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية:

هل يجوز مس المصحف بغير وضوء أم لا؟

الجواب: مذهب الأئمة الأربعة: أنه لا يمسه إلا طاهر، كما قال في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «إنه لا يمسّ القرآن إلا طاهر». قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له، وهو أيضًا قول سلمان الفارسي، وعبد الله بن عمر، وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: ولا يمس المصحف إلا طاهر، يعني طاهرًا من الحدثين جميعًا. روي هذا عن ابن عمر، والحسن، وعطاء، وطاوس، والشعبي، والقاسم بن محمد، وهو قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم مخالفًا لهم إلا داود؛ فإنه أباح مسّه. واحتج بأن «النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه آية إلى قيصر». وأباح الحكم، وحماد مسّه بظاهر الكف؛ لأن آلة المسّ باطن اليد؛ فينصرف النهي إليه دون غيره.

ولنا قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة:79]، وفي «كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر»، وهو كتاب مشهور، رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وغيره، ورواه الأثرم.

فأما الآية التي كتب بها النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما قصد بها المراسلة، والآية في الرسالة، أو كتاب فقه، أو نحوه، لا تمنع مسّه، ولا يصير الكتاب بها مصحفًا، ولا تثبت له حرمته.

إذا ثبت هذا؛ فإنه لا يجوز له مسّه بشيء من جسده؛ لأنه من جسده، فأشبه يده.

وقولهم: إن المس إنما يختص بباطن اليد؛ ليس بصحيح؛ فإن كل شيء لاقى شيئًا، فقد مسه. اهـ.

وهناك من فقهاء المالكية من قال بجواز مسّ المصحف للمحدث حدثًا أصغر، إذا كان معلّمًا، أو متعلّمًا، قال الدردير في الشرح الكبير: (و) لا يمنع مس، أو حمل (جزء) بل، ولا كامل، على المعتمد (لمتعلم)، وكذا مٌعلِّم، على المعتمد. اهـ.

قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: (قوله: على المعتمد) أي: لحكاية ابن بشير الاتفاق على جواز مس الكامل للمتعلّم، وقول التوضيح: إن كلام ابن بشير ليس بجيد، حيث حكى الاتفاق مع وجود الخلاف، ردّه ابن مرزوق بأن أقل أحواله أن يكون هو المعتمد (قوله: لمتعلم) مثله من كان يغلط في القرآن، ويضع المصحف عنده -وهو يقرأ-، أو كلما غلط راجعه. اهـ.

وبناء على ما سبق؛ فإن المسألة الواردة في السؤال مما وقع فيه الخلاف المعتبر؛ لعدم وجود النص القطعيّ الدلالة الذي يرفع الخلاف، وإن كان الظاهر من الأدلة -فيما نرى- هو عدم جواز مسّ المحدث للمصحف الكامل.

وعن ضابط ما يسوغ فيه الخلاف من المسائل المختلف فيها، راجع الفتويين التاليتين: 56408، 222994.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني