الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شراء صندوق مجهول المحتوى ثم بيع ما بداخله

السؤال

اشتريت الصندوق المجهول ناسيًا أنه غرر، وبعت نصف المحتويات، وبقي النصف الآخر، وبعد البيع تذكّرت موضوع الغرر، وتأكّدت أنه كان شراء غرر، فما حكم المال الذي ربحته؟ وهل يجوز أن أبيع باقي الأغراض؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن جملة بيوع الغرر: شراء صندوق أو حاوية لا يعرف ما بداخلها، وهو بيع فاسد شرعًا، قال ابن البراذعي في اختصار المدونة: من اشترى ثيابًا مطوية، ولم ينشرها، ولا وصفت له؛ فالبيع ‌فاسد. اهـ.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد»: ومن ذلك بيع الجنين في بطن أمه، وكل ما لا يدري المبتاع حقيقة ما يحصل عليه، ولا ما يصير إليه. اهـ.

وقال محمد بن الحسن الشيباني في روايته لموطأ مالك بعد رواية النهي عن بيع الغرر: وبهذا كله نأخذ، ‌بيع ‌الغرر كله ‌فاسد، وهو قول أبي حنيفة، والعامة. اهـ.

والبيع الفاسد إذا لم يَفُتْ؛ فإنه يُردُّ .

ولكن إذا فات ببيع، أو تغيّر، أو تعيّب، ونحو ذلك؛ فهو محل خلاف بينهم، قال ابن رشد في «بداية المجتهد»: اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت، ولم تَفُت بإحداثِ عقد فيها، أو نماء، أو نقصان، أو حوالة سوقٍ أنّ حكمها الرد -أعني: أن يرد البائع الثمن، والمشتري المثمون-.

واختلفوا إذا قبضت، وتصرف فيها بعتق، أو هبة، أو رهن، أو غير ذلك من سائر التصرفات: هل ذلك فوت يوجب القيمة كذلك إذا نمت، أو نقصت؟

فقال الشافعي: ليس ذلك كله فوتًا، ولا شبهة ملك في البيع الفاسد، وأن الواجب الرد.

وقال مالك: كل ذلك فوت يوجب القيمة .. ومثل ذلك قال أبو حنيفة ... فالشافعية تشبه المبيع الفاسد؛ لمكان الربا، والغرر بالفاسد لمكان تحريم عينه؛ كبيع الخمر والخنزير، فليس عندهم فيه فوت.

ومالك يرى أن النهي في هذه الأمور إنما هو لمكان عدم العدل فيها -أعني: بيوع الربا والغرر-، فإذا فاتت السلعة؛ فالعدل فيها هو الرجوع بالقيمة؛ لأنه قد تقبض السلعة وهي تساوي ألفًا، وترد وهي تساوي خمسمائة، أو بالعكس؛ ولذلك يرى مالك حوالة الأسواق فوتًا في المبيع الفاسد. اهـ.

وقال ابن جزي في «القوانين الفقهية»: الفوات يكون بخمسة أشياء:

(الأول): تغير الذات وتلفها ..

(الثاني): حوالة الأسواق.

(الثالث): البيع.

(الرابع): حدوث عيب.

(الخامس): تعلق حق الغير، كرهن السلعة. اهـ.

وقال ابن عبد البر في «التمهيد»: والبيع الفاسد من بيوع الغرر وغيرها إذا وقع فسخ، إن أدرك قبل القبض وبعده، فإن فات بعد القبض، رد إلى قيمته، بالغًا ما بلغ يوم قبض، لا يوم وقعت صفقته. اهـ.

والبيع الذي يسأل عنه السائل قد فات ببيع نصف محتويات الصندوق، كما إنه في بلد ليس فيه حكم شرعي يلزم البائع بردّ الثمن وفسخ العقد، أو يعيد تقدير ثمن السلعة لمعرفة قيمتها.

فليجتهد السائل نفسه في تقدير القيمة العادلة التي كان سيدفعها لشراء هذا الصندوق جملةً، لو كان يعرف محتوياته قبل الشراء، فإن كانت هذه القيمة مساوية للثمن الذي دفعه؛ فقد حصل المطلوب.

وإن كانت أعلى منه، فيردَّ الفرق للبائع، أو يطلب مسامحته، وتبرعه به.

وإن لم يستطع ذلك، فليتصدّق به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني