الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن كون المرأة مطلقة، ولها ولد، ليس بمانع شرعا من الزواج منها، فقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة -رضي الله عنها- وهي أكبر منه سنا، ولها أولاد، وقصتها في مسند أحمد وسنن النسائي.
فإن كانت هذه المرأة دينة خلوقة؛ فأقدم على خطبتها والزواج منها.
وإن لم يكن لك علم بحالها، فاسأل من يعرفها من ثقات الناس. فإن أثنوا عليها خيرا فتقدم لزواج منها، ويمكنك تكرار الاستخارة في أمرها، ونتيجة هذه الاستخارة تعرف بالتوفيق إلى الأمر المستخار فيه من عدمه.
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة. فقيل: يفعل ما بدا له ويختار أي جانب شاء من الفعل والترك، وإن لم ينشرح صدره لشيء منهما، فإن فيما يفعله يكون خيره ونفعه، فلا يوفق إلا لجانب الخير، وهذا لأنه ليس في الحديث أن الله ينشئ في قلب المستخير بعد الاستخارة انشراحاً لجانب أو ميلاً إليه. كما أنه ليس فيه ذكر أن يرى المستخير رؤيا، أو يسمع صوتاً من هاتف، أو يلقى في روعه شيء، بل ربما لا يجد المستخير في نفسه انشراحاً بعد تكرار الاستخارة، وهذا يقوي أن الأمر ليس موقوفاً على الانشراح.
وفي الجملة: المذكور في الحديث إنما هو أمر للعبد بالدعاء بأن يصرف الله عنه الشر، ويقدر له الخير أينما كان.
وهذا اختاره ابن عبد السلام، حيث قال: يفعل المستخير ما اتفق، واستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود في آخره: ثم يعزم، وأول الحديث: إذا أراد أحدكم أمراً فليقل.
وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني: إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر فليفعل بعدها ما بدا له، سواء انشرحت نفسه له أم لا، فإن فيه الخير وإن لم تنشرح له نفسه. وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس. اهـ.
والزواج مفتاح لأبواب الخير، فقد يفتح الله عليك به من أسباب الرزق ما يشاء، قال الله -عز وجل-: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}.
وروى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة كلهم حق على الله -عز وجل- عونهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء.
وإن وجدت في نفسك رغبة عن الزواج منها، أو لم يتيسر لك ذلك، فأنت في سعة من أمرك. فابحث عن غيرها، فالنساء كثير. ولا تلتفت لأي هواجس قد تحول بينك وبين الزواج، أو تدفعك لتأخيره، ففي الزواج كثير من المصالح، وفي الحياة قواطع قد تعرقل أمر إتمامه.
وقد ذكر ابن القيم جملة من مصالحه في كتابه: بدائع الفوائد، فقال: استدل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة، بأن الله -تعالى، عز وجل- اختار النكاح لأنبيائه ورسله......
واختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأشياء، فلم يحب له ترك النكاح، بل زوجه بتسع فما فوقهن، ولا هدي فوقه هديه. ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي صلى الله عليه وسلم يوم المباهاة بأمته.
ولو لم يكن فيه إلا أنه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته.
ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة.
ولو لم يكن فيه إلا غض بصره، وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله -تعالى-.
ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به، ويثيبه على قضاء وطره ووطرها. فهو في لذاته، وصحائف حسناته تتزايد.
ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته، وكسوتها ومسكنها، ورفع اللقمة إلى فيها.
ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله، وغيظ أعداء الإسلام.
ولو لم يكن فيه إلا ما يترتب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل.
ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه؛ فإن تعلق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها تصده عن تعلقه بما هو أنفع له، فإن الهمة متى انصرفت إلى شيء انصرفت عن غيره.
ولو لم يكن فيه إلا تعرضه لبنات إذا صبر عليهن وأحسن إليهن، كن له سترا من النار.
ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدم له فرطين لم يبلغا الحنث، أدخله الله بهما الجنة.
ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له؛ فإن في الحديث المرفوع: "ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والمجاهد. اهـ.
والله أعلم.