الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين ما ورد من النهي عن التفحّش في القول والتصريح بذكر العورة

السؤال

أكتب إليكم مستفسرًا عن اللفظ الجنسي في الدِّين، وحكمه، فقد رأيت خلال دراستي الشخصية لكتب السلف الصالح "كروضة المحبين" لابن القيم وغيره صراحةً في الكلام المرتبط بأسس الجماع، والشبق، دون قصد البذاءة، أو الفحش -حاشاهم-، وكذلك في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في ما يتعلق بأحكام الطهارة والنكاح وما إلى ذلك، بما يعتبر واضحًا جليًّا صريحًا عندهم، وذلك لا يُعارض أحاديثه صلى الله عليه وسلم، في أخلاق المؤمن في عدم كونه طعّانًا، أو لعّانًا، أو فاحشًا، أو بذيئًا، وما إلى ذلك من سلامة الخلق، وعزة النفس: فأحببت أن أعلم ما المقصود بالبذاءة، والفحش من القول بالضبط، إذا لم يكن المقصود به التفحّش، والسبّ، والقذف، بل كان نقلًا، أو كلامًا عاديًا مثله مثل أي كلامٍ آخر، ولكنه لفظ صريح، وقد تتخلله عباراتٌ جنسية وما إلى ذلك، مع التأكيد على أنها خالية من الفتنة، والتسيّب في العرض، والتعرّض للناس فيه. وشكرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك في كون الشرع قد جاء بالنهي عن الفحش، والبذاءة، كما في الحديث الذي أشرت إليه في سؤالك، وكذلك في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء.

وتعريف الفحش -كما جاء في كتاب التعاريف للمناوي، نقلا عن الراغب، أنه قال-: الفحش، والفحشاء: ما عظم قبحه من الأقوال، والأفعال.

ونقل أيضًا عن الحرالي أنه قال: ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة، كما ينكره العقل، ويستخبثه الشرع؛ فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث من الشرع، والعقل، والطبع.

ومعنى البذيء -كما قال ابن علان في دليل الفالحين، نقلًا عن العاقولي أنه قال-: البذيء هو: السيئ الخلق، وهو ملازم لما قبله؛ لأن الفحش إنما يصدر عنه. انتهى.

وقال ابن رجب: والبذيء: الذي يجري لسانه بالسفه، ونحوه من لغو الكلام. انتهى.

والأصل المنع من الكلام بما فيه فحش، وبذاءة.

وجاءت ألفاظ الشرع باستعمال التلميح، لا التصريح فيما يُستحيا منه عادة، وكان هذا شأن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشدة حيائه، ومن ذلك: ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة؛ حتى ترجع. وهذه كناية عن الجماع.

وقد تدعو الحاجة للتصريح بما فيه ذكر لأمور تتعلق بالعورة، ونحو ذلك، وليس الداعي الفجور، والمجون، بل قد تكون الحاجة هي التعليم، أو التبكيت، أو كون المقام يقتضي التثبت، كما في الأمر الذي يتعلق بالحدود، كما في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: (لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت). قال: لا، يا رسول الله. قال: (أنكتها). لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: محل وجود الحياء منه صلى الله عليه وسلم في غير حدود الله؛ ولهذا قال للذي اعترف بالزنى: أنكتها، لا يكني. اهـ.

ومن ذلك أيضًا ما رواه البخاري من قول أبي بكر -رضي الله عنه- لعروة الثقفي يوم صلح الحديبية: امصص بظر اللات.

قال ابن القيم في زاد المعاد: وفى قول الصديق لعروة: امصص بظر اللات، دليل على جواز التصريح باسم العورة، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرح لمن ادّعى دعوى الجاهلية بهن أبيه، ويقال له: اعضض أير أبيك، ولا يكنى له، فلكل مقام مقال. اهـ.

وقال الحافظ في الفتح: وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ؛ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك. اهـ.

وحاصل الأمر هو: أنه لا يجوز الفحش، ولا التفحش، وأن ما خرج عن ذلك مما جاءت به نصوص الشرع، أو في كلام أهل العلم؛ فإنه يراعى فيه المقام والحال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني