الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في تعلم العلوم غير الدينية لأجل الدنيا

السؤال

حصلت على شهادة الثانوية في العام الماضي، وتم توجيهي إلى معهد للدراسات الإسلامية. ولما قربت الدراسة سمعت فتوى لأحد المشايخ عن أن طلب العلم يجب أن يكون لوجه الله وابتغاء رضوانه أولا، وإن أراد الشهادة فإنها تكون تبعا. وذكر حديثا فيه وعيد شديد: من طلب العلم مما يبتغى به وجه الله، لا يطلبه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يرح رائحة الجنة.
وأنا في الحقيقة أتهم نفسي بعدم الإخلاص، وكنت أريد الشهادة في الأساس، مع تعلم بعض ما قد ينفعني من العلم. ولما سمعت هذا أردت تغيير التخصص ولكن دون جدوى. ففكرت في ترك الدراسة حتى يأتي العام المقبل، وأحاول تغيير التوجيه، لكن الوالدين لا يريدان ذلك، وطلبا مني أن أدرس في المعهد.
السؤال: هذا المعهد الذي كنت أريد الدراسة فيه، فيه مسلكان: واحد للدراسات الإسلامية، وآخر وهو الذي أريد التسجيل فيه: للدراسات العربية والاجتماعية. تدرس سنة أولى عامة، والثانية تتخصص في أحد التخصصات كالنحو والصرف، أو الإعلام والاتصال، أو الحضارة ..إلخ.
فهل هذه الدراسات تدخل في ما يبتغى به وجه الله؟ وهل الأفضل تركه أم التسجيل لمن لا يريد إلا الشهادة ابتداء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمثل هذه التخصصات: النحو والصرف، والإعلام والاتصال والحضارة، ليست من العلوم الشرعية التي يحرم تعلمها لغير وجه الله، ولذلك يشترك في تعلمها وتعليمها المسلم وغير المسلم.

وإنما المقصود بذلك: العلوم الدينية الشرعية، التي ينال طالبها فضيلة طلب العلم، وراجع في ذلك الفتوى: 130606.

فالعلوم تنقسم إلى علوم شرعية مأخوذة من الدين والوحي، ويراد بها وجه الله والدار الآخرة، وأخرى إنما هي من علوم الناس ووضعهم، ولا حرج في طلبها لأجل الدنيا، وانظر الفتوى: 140778.

ولذلك قيد العلم في حديث: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه أبو داود، وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني. بقوله: "مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ".

قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: أي: صلاح دين الله من العلوم الظاهرة أو الباطنة -يعني علم أحوال القلب وعلاجه والعلم بالأعمال الظاهرة - .. واحترز به عن العلوم التي لا يبتغى بها صلاح قوام الدين، بل صلاح قوام هذا العالم الظاهر وانتظام أمره، كعلوم الفلاحة والتجارة والبيطرة والحياكة، وغير ذلك من علوم الحرف والصناعات، فإن من تعلمها لطلب عرض الدنيا لا يدخل في هذا الوعيد العظيم .. قوله: "لا يتعلمه" هذا العلم الذي هو موضوع للعبادة الدينية. اهـ.

وقال ابن علان في «دليل الفالحين»: احتراز عن العلوم التي ليست كذلك؛ لعدم وجوبها كعلم العروض، أو لتحريمها كعلم السحر. اهـ.

وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: أي العلم الذي يطلب به رضا الله وهو العلم الديني، فلو طلب ‌الدنيا بعلم الفلسفة ونحوه فهو غير داخل في أهل هذا الوعيد. اهـ.

وهنا ننبه على أن الوعيد المذكور في الحديث إنما يتناول من لا يقصد بالعلم إلا الدنيا، وأما من طلب بعلمه رضا المولى، ومع ذلك له ميل ما إلى عرض الدنيا، فخارج عن هذا الوعيد، وراجع في ذلك الفتوى: 110379.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني