الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضابط الإكراه المعتبر شرعا

السؤال

أعيش في أوروبا، وعقدت على فتاة تعيش في الخليج. عندما عقدت كنت في أوروبا، واستمررت سنة بسبب كورنا لم أستطع أن أسافر. وكان العقد شفهيا.
وبعدها سافرت إلى الخليج؛ لكي آخذ زوجتي، وأكمل إجراءاتي. وذهبت إلى السفارة الأم؛ لكي أكمل إجراءات الأوراق. فتفاجأت بوالد زوجتي يقول عندك مهلة أسبوع فقط.
وذات يوم ذهبت إلى بيتة أنا وأقرباء زوجته، فإذا بالرجل يحلف بالله أنني لا أخرج إلا وقد طلقت. فتفاجأت وصدمت، فالرجل يعاني من ثلاث جلطات، وكبير في السن، الجميع خاف أن يموت -لا قدر الله- وكان يقول: إذا لم تطلق سوف أطلق زوجتي أم أولادي، ويشتكي لأهلها.
فاقترح إخوة زوجته أن أطلق حتى أنهي الأوراق، ثم أرجع، لكنه رفض بعد ذلك.
هذه مشكلة، ولا يوجد لدي أي حل آخر، فأكرهت، فطلقت لسد الفتنة.
أنا أحب زوجتي حبا شديدا، وهي تحبني جدا. وكنا سعداء جدا، نتكلم بالهاتف عدة ساعات في اليوم، وخلوت بها عندما وصلت، وكنا سعداء أننا التقينا، لكنني لم أدخل عليها احتراما لأهلها.
لكني مظلوم وهي مظلومة، مكسور الخاطر والقلب، نزعوا مني زوجتي، وفرقوا بيننا. لا أخفي عليكم أني مريض، وخسرت أشغالي بسبب القهر الذي حصل لي، وحالتي النفسية متعبة جدا. لا أستطيع النوم، وأفكر في الظلم الذي حصل.
ما حكم من فرق بين زوجين، وكسر خاطرهما وظلمهما؟
وما نصيحتكم لمن فعل هذا.
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت قد عقد لك على هذه المرأة العقد الشرعي بإذن وليها، وحضور الشهود؛ فقد صارت بذلك زوجة لك. وكتابة العقد لا تشترط لصحته، ولكنها مستحبة؛ لقطع النزاع، وحفظ الحقوق.

قال ابن جزي -المالكي- في القوانين الفقهية: المسألة الخامسة: في كتاب الصداق، وليس شرطًا، وإنما يكتب هو وسائر الوثائق، توثيقًا للحقوق، ورفعًا للنزاع. اهـ.

وإذا أجبرك أبوها على طلاقها؛ فليس من حقه ذلك، فالإفساد بين الزوجين هو التخبيب الذي ورد الشرع بالنهي عنه، كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. وهذا الفعل عده العلماء من الكبائر.

قال ابن حجر في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة السابعة والثامنة والخمسون بعد المائتين: تخبيب المرأة على زوجها: أي إفسادها عليه، والزوج على زوجته. اهـ.

والضغط النفسي والأدبي لا يعتبر بمجرده إكراها ملجئا يمنع من وقوع الطلاق. وقد ذكر العلماء ضابط الإكراه المعتبر شرعا.

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ولا يقع طلاق المكره. والإكراه يحصل إما بالتهديد، أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه، أو ماله بلا تهديد. اهـ.

فالطلاق -إذن- قد وقع، ولا بأس بأن تبحث عن سبيل لأن تعقد عليها عقدا جديدا، وأن توسط بعض الفضلاء ليقنعوا والدها بذلك. فإن تيسر إقناعه، فالحمد لله، وإلا فدعها، وابحث عن غيرها.

هذا مع العلم أنها إذا خَشِيت عضل وليها لها، فيمكنها أن ترفع أمرها للقاضي الشرعي.

وننبه إلى أن الزوج إذا خلا بزوجته خلوة صحيحة، وجبت عليها العدة، ويملك زوجها رجعتها بدون عقد جديد، ما دامت في عدتها، وإذا انقضت العدة وجب تجديد العقد.

وللمزيد يمكن مراجعة الفتويين: 103377، 267487.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني