السؤال
هل التقدّم على الوالدين في السير مكروه؟ وما حكم عدم طاعة أمّي فيما أرى أنه ليس جيدًا؟ فإذا طلبت مني توقيف سيارة الأجرة، وهي بعيدة عنا بعض الشيء، وأنا أعلم أن السائقين ليس عندهم صبر، ويستعجلوننا، فلم أطعها.
أو كان عندنا عامل يفعل شيئًا في البيت، واتفق معي على قدر معين من المال، فوافقتْ أمّي، ووافقتُ أنا، وعندما بدأ العمل طلبَتْ مني أن أخفّض من السعر، فلم أفعل.
أو قالت لي: أخرج هذا الكيس أولًا من الشنطة؛ لكي يسهل عليك إخراج الأغراض، فأخرجت الكيس الآخر.
وما حكم عدم طاعتها فيما أرى أنّ لها مصلحة فيه، كأن تقول لي: لا تنظّف البيت؛ لأنها تريد مني أن أذاكر، فأجادلها حتى تقول لي: افعل ما تريد، وفي أوقات تغضب، وتقول: لا تجادلني، ولا تعد تجادلني أبدًا، فهل الجدال معها غير جائز إن أحسست أنه سيؤدّي إلى غضبها؟ وماذا إن أحسست أنه لا يؤدّي إلى غضبها؟
أو تقول لي: لا تفعل كذا، فأرى من مصلحتها فعله، فأفعله، مثل تنظيف المنزل، أو تقول: لا تفعل كذا، وأنا أعرف أنها تقول ذلك لكي تريحني، فأفعله، وهي لا تحزن على أني فعلته، بل من الممكن أن تحزن على تعبي، فأرجو أن تجيبوني عن أسئلتي خاصة؛ لأني قرأت الكثير من الفتاوى على موقعكم، وأعلم أن أسئلتي من الممكن أن يكون فيها بعض الوسواس.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالدين عظيم، والواجب معاملتهما بالأدب، والرفق، والتوقير، قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره. انتهى.
ومن تمام الأدب ألا يتقدّم الولد على والده في المشي، إلا إذا كان ذلك لمصلحة الوالد، قال ابن قتيبة -رحمه الله- في عيون الأخبار: قيل لعمر بن ذرّ: كيف كان برّ ابنك بك؟ قال: ما مشيت نهارًا قط إلا مشى خلفي، ولا ليلًا إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحًا وأنا تحته. انتهى.
وطاعة الوالدين واجبة فيما ينفعهما، ولا يضرّ ولدهما، ما دام الأمر في حدود الشرع، والعُرف، وراجع الفتويين: 76303، 272299.
لكن لا تجوز مجادلة الوالدين على وجه يغضبهما، ففي كتاب بر الوالدين لابن الجوزي -رحمه الله- قوله: وقال يزيد بن أبي حبيب: (إيجاب الحجة على الوالدين عقوق)، يعني الانتصار عليهما في الكلام. انتهى.
وأمّا المجادلة بالحسنى، إذا كانت لمصلحة، ولم تغضبهما؛ فهي جائزة.
وإذا عرفت ذلك؛ فاحرص على برّ أمّك، والإحسان إليها.
وإذا كنت تقول: إنّ في أسئلتك وسوسة؛ فليس من مصلحتك أن نجاريك في الوسوسة بالجواب عن كل تفاصيل السؤال.
وعليك أن تعرض عن الوساوس، ولا تلتفت إليها.
والله أعلم.