السؤال
ما حكم قول الأم أو الأب لابنه إذا رأى شخصا حقيرا، أو فقيرا يعمل في إحدى المهن التي يحتقرها الناس، أن يقول له: ادرس وانجح، ولا تكن مثله.
هو يقولها باحتقار للشخص، أو المهنة التي يعمل بها مثل النظافة، أو إصلاح السيارات، أو الحلاقة أو غيرها، ونحو ذلك من هذه الأقوال والأفعال؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكرته لا يستلزم احتقار وازداء العمال في هذه المهن.
بل الظاهر أنها نصيحة للابن بالاجتهاد في الدراسة، وبذل الأسباب التي يحصل بها على الأعمال الحسنة، وألا يهمل في دراسته لئلا يضطر إلى العمل في مهن دنيئة.
وهذه النصيحة لا محذور فيها شرعا، ولا شك أن الأعمال تتفاوت، فمنها الدنيء الوضيع الذي لا يتمنى الناس لأنفسهم ولا لأبنائهم العمل فيه؛ كالعمل في تنظيف المجاري، أو جمع القمامات أو غير ذلك.
ومنها أعمال حسنة يكاد يتفق الناس على حسنها وطيب أجرتها؛ كالتجارة، فعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله؛ أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد والبزار، وقال الألباني: صحيح لغيره.
وقد جاء في الحديث ذم كسب الحجام؛ لما فيه من الدناءة، ففي صحيح مسلم عن السائب بن يزيد، حدثني رافع بن خديج، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث.
وأما احتقار من يعمل في تلك المهن أو غيرها، فلا يجوز، فإن احتقار المسلم محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم. رواه مسلم.
قال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: أي: كافيه من الشر ذلك؟ فإنَّه النصيب الأكبر، والحظ الأوفى.
ويفيد: أن احتقار المسلم حرام. اهـ.
وفي الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة: فأما قوله: (بحسب المؤمن من الشر أن يحقر أخاه المسلم)، ففيه تحذير، وأي تحذير من ذلك؛ لأن الله -تعالى- لم يحقره إذ خلقه ورزقه، ثم أحسن تقويم خلقه، وسخر ما في الأرض جميعا كله لأجله، وأسجد له الملائكة جميعهم، ثم إنه -سبحانه- سماه مسلما، ومؤمنا، وعبدا......
وأن يعلم أنه بلغ من قدره إلى أن الله جعل الرسول إليه منه، محمدا -صلى الله عليه وسلم-، فمن حقر مسلما من المسلمين، فقد حقر ما عظمه الله. وكافيه ذلك خزيا. اهـ.
وانظر الفتويين: 358549 - 327451.
والله أعلم.