السؤال
يوم القيامة توضع الحسنات في كفة و السيئات في أخرى، فإذا رجحت الكفة لصالح الحسنات هل يغفر الله السيئات و كأنها لم تكن ثم يعطيك بكل حسنة ثوابا ؟
يوم القيامة توضع الحسنات في كفة و السيئات في أخرى، فإذا رجحت الكفة لصالح الحسنات هل يغفر الله السيئات و كأنها لم تكن ثم يعطيك بكل حسنة ثوابا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي المسألة المسؤول عنها خلاف بين أهل العلم، والذي يظهر أن من رجحت سيئاته على حسناته أثيب على كل حسناته، وهذا ما رجحه العلامة ابن القيم في كتابه طريق الهجرتين فقال: الطبقة الحادية عشرة طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فعملوا حسنات وكبائر، ولقوا الله مصرين عليها غير تائبين منها، لكن حسناتهم أغلب من سيئاتهم فإذا وزنت بها ورجحت كفة الحسنات فهؤلاء أيضاً ناجون فائزون، قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ) (لأعراف:8-9)، قال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف، وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته فإذا بقي شيء منها وزن هو وسيئاته، ولكن هنا مسألة، وهي إذا وزنت السيئات بالحسنات فرجحت الحسنات هل يلغى المرجوح جملة ويصير الأثر للراجح فيثاب على حسناته كلها أو يسقط من الحسنات ما قابلها من السيئات المرجوحة، ويبقى التأثير للرجحان فيثاب عليه وحده فيه قولان هذا عند من يقول بالموازنة والحكمة، وأما من ينفي ذلك فلا عبرة عنده بهذا، وإنما هو موكول إلى محض المشيئة، وعلى القول الأول فيذهب أثر السيئات جملة بالحسنات الراجحة وعلى القول الثاني: يكون تأثيرها في نقصان ثوابه لا في حصول العقاب له، ويترجح هذا القول الثاني بأن السيئات لو لم تحبط ما قبلها من الحسنات، وكان العمل والتأثير للحسنات كلها لم يكن فرق بين وجودها وعدمها، ولكان لا فرق بين المحسن الذي محض عمله حسنات وبين من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وقد يجاب عن هذا بأنها أثرت في نقصان ثوابه، ولا بد فإنه لو اشتغل في زمن إيقاعها بالحسنات لكان أرفع لدرجته، وأعظم لثوابه، وإذا كان كذلك فقد ترجح القول الأول بأن الحسنات لما غلبت السيئات ضعف تأثير المغلوب المرجوح وصار الحكم للغالب دونه لاستهلاكه في جنبه كما يستهلك يسير النجاسة في الماء الكثير، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني