السؤال
سؤالي يتعلق بالقراءات إن كان سيدنا عثمان رضي الله عنه قد جمع الناس على حرف واحد وهو حرف قريش, وأنتم تعارضون قول المستشرق الذي قال إن منشأ اختلاف الروايات هوعدم وجود النقط والضبط فكيف اختلفت هذه الروايات إلى عشر قراءات.
أرجو الإفادة.
سؤالي يتعلق بالقراءات إن كان سيدنا عثمان رضي الله عنه قد جمع الناس على حرف واحد وهو حرف قريش, وأنتم تعارضون قول المستشرق الذي قال إن منشأ اختلاف الروايات هوعدم وجود النقط والضبط فكيف اختلفت هذه الروايات إلى عشر قراءات.
أرجو الإفادة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي رجحه أهل العلم هو أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يجمع الناس على حرف واحد، وأن ما نسخه أولئك النفر الأربعة الذين كلفهم عثمان بنسخ القرآن لم يقتصروا في نسخه على لغة قريش، بل الموجود فيه من اختلاف في إمالة الكلمات وفتحها أو تقليلها، وإبدال للهمز، وتسهيل ونقل لحركتها إلى الحرف الذي قبلها، وتحقيق وحذف، وترقيق للراءات واللامات، وتفخيم، ومد لميم الجمع وقصرها مع ضم الهاء قبلها أو كسره، وإدغام للحروف عند البعض، وإظهار عند البعض الآخر، وحذف لبعض الياءات أو زيادة، وتسكين لياءات الإضافة، أو فتح وغير ذلك مما امتلأت به كتب القراءات يشهد بأن القرآن لم يجمع على حرف واحد، بل بقيت الأحرف السبعة كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت لغة قريش هي المحكمة إذا حصل اختلاف.
ولو كان كله بلغة قريش فلا يعقل أن لا يعرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمة أبَّاً في قوله تعالى: وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (عبس:31)، والكلمات التي حار الصحابة من المهاجرين والأنصار في فهم معانيها كثيرة، فالواقع أن عثمان رضي الله عنه قال للذين كلفوا بنسخ القرآن، كما جاء في النشر في القراءات العشر: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش. ومعناه أنهم إذا لم يختلفوا يكتبونها بالكيفية التي يعرفونها جميعاً، ولا يلزم من كتابتها بشكل واحد أن تلفظ بلفظ واحد، فكم من كلمة كتبت بشكل واحد وقرئت بستة أوجه أو أكثر، كما في كلمة أرجهْ وأخاه قرئت دون همز بسكون الهاء وبكسره ممدوداً ومقصوراً، وقرئت بالهمز أرجئه بضم الهاء ممدوداً ومقصوراً، وبكسره مقصوراً‘ وأمثلة ذلك كثيرة.
والذي استقر عليه أمر الأمة في القراءات كما قال ابن الجزري أن كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة... ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة...(1/15).
والذي جمع شروط التواتر اليوم هو القراءات العشر لا غيرها.
ثم إن الذي قاله المستشرق من أن منشأ اختلاف الروايات هو عدم وجود الضبط، غيرصحيح. فالمصاحف إنما جردت من النقط والشكل ليحتملها ما صح نقله، وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط.
وأكبر شاهد على بطلان دعوى هذا المستشرق هو أن الاختلاف بين القراءات لم يقتصر على الضبط فقط، وإنما شمل الرسم أيضاً، فهذا المصحف الشامي تقرأ فيه: (وكذلك زُين لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم شركائِهم)، واعتبرها أهل اللغة دليلاً على جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه. وفي المصحف المكي من سورة التوبة: (تجري من تحتها الأنهار)، وفي غيره: (تجري تحتها الأنهار)، وفي بعض المصاحف: (فبما كسبت أيديكم). وفي غيرها: (بما كسبت أيديكم)، (ولا يخاف عقباها)، وفي البعض: فلا يخاف عقباها.
وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني