الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتب جامعة في أعمال القلوب

السؤال

هل يمكن أن تدلّوني على كتاب ممتاز جدّا في أعمال القلوب - العبادات القلبية -، وكلما كان الكتاب جامعًا كان أفضل؟ وأنا أسألكم لأن العبادات توقيفية ولأن العبادة يجب أن تكون موافِقة للشرع تمامًا، بلا زيادة، ولا نقص.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن أول كتابٍ ندلّك عليه في هذا الموضوع هو: كتاب الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؛ فهو الذي قال الله تعالى عنه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57}؛ فقد جعله الله للمؤمنين شفاءً، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم، من وَساوس الشيطان، وَخطراته؛ فيَكفيهم، ويغنيهم عن كل ما عداه من المواعظ، ببيان آياته، قال السعدي في تفسيره: هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادّة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني؛ فإن ما فيه من المواعظ، والترغيب، والترهيب، والوعد، والوعيد؛ مما يوجب للعبد الرغبة، والرهبة.

وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، وَنَمَتَا على تكرر ما يَرِد إليها من معاني القرآن؛ أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحبّ إلى العبد من شهوة نفسه.

وكذلك ما فيه من البراهين، والأدلة التي صرّفها الله غاية التصريف، وبيّنها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين.

وإذا صحّ القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية؛ تبعته الجوارح كلها؛ فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده.

"وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" فالهدى هو: العلم بالحق، والعمل به، والرحمة هي ما يحصل من الخير، والإحسان، والثواب العاجل، والآجل، لمن اهتدى به؛ فالهدى أجلّ الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين.

وإذا حصل الهدى، وحلّت الرحمة الناشئة عنه؛ حصلت السعادة، والفلاح، والربح، والنجاح، والفرح، والسرور؛ ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك، فقال: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ" الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة، ومِنّة، وفضل تفضّل الله به على عباده، "وَبِرَحْمَتِهِ" الدِّين، والإيمان، وعبادة الله، ومحبته، ومعرفته، "فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" من متاع الدنيا، ولذاتها. انتهى.

وكذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعظم مُرَبٍّ عرفته البشرية، وقد قال الله تعالى عنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {النجم:3}.

وهناك كتب كثيرة ألّفها علماء الإسلام اقتباسًا من هذين المصدرين، ومن أهمها: كتاب مدارج السالكين، وكتاب: الجواب الكافي، وكلاهما لابن القيم ـ رحمه الله ـ، وكتب ابن القيم كلها مفيدة في هذا الموضوع، سواء كانت في العبادات، أم المعاملات، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: 267844.

وقد أحسنت في البحث عما يصلح القلب؛ فإن صلاح القلب هو أعظم ما يسعى العبد في تحصيله؛ لأن بصلاحه يصلح سائر البدن، كما قال صلى الله عليه وسلم: ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت؛ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني