الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام حضانة الأولاد بعد الطلاق

السؤال

طلقت زوجتي، وكنا نعيش في تركيا، ولنا 5 من الأبناء. وعند الطلاق خيرت الأبناء في السكن، فاختاروا والدتهم. استأذنني الأولاد في سفرهم إلى القاهرة، فلم آذن لهم؛ نظرا لضيق الحال. فقالوا لي: إن أمهم تتكفل بنفقات السفر؛ فوافقت على مضض، ولكن أمهم قامت بترتيب سفرهم بطريقة غير آمنة، وهي بيع أوزان الأمتعة لأحد المستفيدين، نظير دفع تكلفة الطيران. وقد أخفى علي الأبناء طريقة سفرهم التي كنت أرفضها لو علمت بها. وعند وصولهم للقاهرة حدثت المشكلة مع الجمارك بسبب الأمتعة غير المملوكة لهم، وعليه كان رفضهم الرجوع بتلك الطريقة مرة أخرى، وعلي التكفل بعودتهم على نفقتي. أبلغتهم أنه لا بد من ترتيب عودتهم بالتدريج. يعود الأخوان الكبيران أولا، ثم الباقون لاحقا، فرفض الأبناء العودة إلا معاً، وتوسع الأمر؛ لأنهم يرفضون العودة لتركيا، ويرغبون في البقاء في مصر، على خلاف رغبتي، مع العلم أني أستطيع النفقة في تركيا، ولا أستطيع النفقة في مصر.
السؤال 1: أمهم هي من جعلتهم يعصون أمري بالرجوع. هل ذلك عقوق لي؟
وهل عليهم أن يأتمروا بأمري، أو أمر والدتهم. مع العلم بقلة حكمة الأم في تولي أمرهم في كثير من شؤونهم؟
السؤال 2: هل يجوز إيقاف الإنفاق عليهم، ردعا لمعصيتهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما السؤال الأول، فجوابه يتفرع على من له حق الحضانة منكما.

فقد ذكر الفقهاء أن الأم إذا سافرت سفر نُقْلَة، سقطت حضانتها، وكانت حضانة الأولاد لأبيهم، فالأمر -حينئذ إلى أبيهم- وعليهم طاعته إن أمرهم بالرجوع والإقامة عنده، ويكونون عاقين إن عصوه. وانظر الفتوى: 76166.

ولكن ههنا أمر وهو أنه ينبغي مراعاة مصلحة المحضون في مثل هذا، كما ذكر بعض العلماء.

ومن ذلك ما قاله ابن القيم في زاد المعاد، حيث قال بعد ذكر أقوال العلماء في المسألة: وهذه أقوالٌ كُلها كما ترى لا يقوم عليها دليلٌ يسكن القلبُ إليه.

فالصوابُ النظر والاحتياط للطفل في الأصلح له والأنفع مِن الإِقامة أو النقلة، فأيُّهما كان أنفعَ له وأصونَ وأحفظَ، روعي، ولا تأثيرَ لإِقامة ولا نقلة. اهـ.

وهذا كله فيما إن كان الأولاد في سن الحضانة، وإن كان منهم بالغ فإنه لا حضانة له، فله أن ينتقل ليقيم حيث شاء ما كان مأمونا عليه في ذلك.

قال ابن قدامة في المغني: وَلَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إلَّا عَلَى الطِّفْلِ أَوْ الْمَعْتُوهِ، فَأَمَّا الْبَالِغُ الرَّشِيدُ، فَلَا حَضَانَةَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ الْخِيرَةُ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ عَنْهُمَا، وَلَا يَقْطَعَ بِرَّهُ عَنْهُمَا.... اهـ.

وإن حصل نزاع في أمر الحضانة واستحقاقها، ووجود ما يسقطها كالسفر أو عدم أهلية الحاضن، فالفيصل المحكمة الشرعية. وينبغي للوالدين التوافق قدر الإمكان، ومراعاة مصلحة الأولاد.

وأما السؤال الثاني، فجوابه أنه تجب عليك النفقة على أولادك ما كانوا صغارا لا مال لهم، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. انتهى.

واختلفوا فيما إذا كان الأولاد فقراء بالغين، وقادرين على الكسب، وقد رجحنا في الفتوى: 139301قول من ذهب إلى عدم وجوب الإنفاق عليهم في هذه الحالة، وهو قول الجمهور.

وفي الحال الذي تجب فيه النفقة، ليس من حق الوالد أن يمتنع من الإنفاق عليهم عقوبة لهم على عصيانهم له.

وينبغي أن ينفق عليهم في حال فقرهم وبلوغهم وقدرتهم على الكسب؛ ليحصل على أجر الصدقة والصلة، ففي الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن سلمان بن عامر الضبي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة.

ولعل ذلك يحملهم على البر والطاعة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني