الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين الهجر والمشاحنة

السؤال

ما الفرق بين الهجر، والمشاحنة؟ وهل الهجر يعتبر مشاحنة؟ فمثلا: عندما يقوم أحد بكسر خاطرك، وجرحك، بسبب كلمة، أو موقف، أو بتصرفاته، فأصبحت لا تكلمه، ولا يكلمك، وتجاهل حزنك، وافترقتما، فهل تعتبر هذه الحالة هجرا؟ أم مشاحنة؟ وهل إن كان الشخص مشاحنا من طرف واحد، والطرف الآخر هجره دون مشحانة في قلبه، تعتبر مشاحنة منهما؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالهجر هو الترك، والإعراض، وأمّا المشاحنة: فهي العداوة، قال الزبيدي - رحمه الله - في تاج العروس من جواهر القاموس: هَجَرَه، ‌يَهْجُره، ‌هَجْرَاً، بِالْفَتْح، ‌وهِجْراناً، بِالْكَسْرِ: صَرَمَه، ‌وَقَطَعه، ‌والهَجْرُ: ضِدُّ الوَصْل، ‌هَجَرَ الشيءَ، ‌يَهْجُره ‌هَجْرَاً: تَرَكَه، وأَغْفَله، وأعْرَض عَنهُ. انتهى.
وقال: والتَّشاحُنُ: تَفاعُلٌ مِن ‌الشَّحْناءِ: العَداوَة. انتهى.
والهجر والمشاحنة للمسلم منهي عنها، ما لم يكن لها مسوّغ شرعي؛ فلا إثم فيها حينئذ، قال ابن الجوزي – رحمه الله - في الإفصاح عن معاني الصحاح: والمتشاحنان أن يكون كل منهما ذا شحناء، فلا يتناول هذا: أن يكون رجل يخاف شر رجل، ولا يأمن السوء من جهته، وذلك الآخر غير خائف منه، كما يخاف الآخر؛ فإن ذلك الخائف لا يزول استحاشه مما يخافه، إلا بوجود أمنة منه؛ فلا يكون الخائف أحد المتشاحنين، وكذلك رجل هجر رجلا في بدعة ابتدعها في الدين، وهجره لأجل الله تعالى، ولئلا يراه المسلمون زائرا له، ومقاربا سبيله، فيعتقدون صحة ما عليه المبتدع؛ فاستمر على هجرانه ذلك لأجل هذه الحال؛ بعد أن نصحه، فلم ينتصح، واجتهد في إصلاحه، فلم ينصلح؛ فهجره، فليس ذلك بمشاحن؛ إلا أنه ينبغي له أن يكون راحما له في الباطن، وداعيا له بأن يرحمه الله، ويرده إلى الحق، كما روي عن أحمد ـ رضي الله عنه ـ من الدعاء في ذلك بما قدمناه، وليس من التشاحن الرجلان يكون بينهما الحكومة، أو العرض، أو المعاملة، فيبغي أحدهما على الآخر، كما قال سبحانه: وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ـ إلا أن هذا في الخلطاء من المؤمنين لا ينبغي أن يبلغ بهم إلى التقاطع، والتهاجر؛ بل أحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه، وأيسرهما لأخيه، وأصبرهما على رفيقه، لقوله: يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ـ فأما المتشاحنان الذي ينصرف إليهما إرجاء الغفران؛ فإنهما قد يكونا متحاسدين، أو متكبرين، أو باغيين، أو متقاطعين، أو متنافسين، أو متماثلين، أو متقاربين. انتهى.

ومن كان عليه ضرر في دينه، أو دنياه لا يزول إلا بالهجر؛ فالهجر في حقّه مباح، قال ابن عبد البر – رحمه الله - في التمهيد: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ مِنْ مُكَالَمَتِهِ، وَصِلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ، أَوْ يُوَلِّدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَضَرَّةً فِي دِينِهِ، أَوْ دُنْيَاهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَقَدْ رُخِّصَ لَهُ فِي مُجَانَبَتِهِ، وَبُعْدِهِ، وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ، خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني