السؤال
أنا شاب عمري 29 سنة، غير متزوج، ومن أسرة متوسطة، أعمل مهندسا، براتب مهم، وأقوم بمساعدة والدي شهريا، بقدر معين من راتبي، لكن الوالدة تفرض علي أن أساعدها بنفس القدر تقريبا هي وأخي الأصغر، الذي يبلغ 25 سنة، والذي لا يرغب في العمل، بحيث تصل نفقتي على أسرتي نصف راتبي، في بعض الأحيان، وعندي تحديات، وعقبات، وأريد أن أوفر المال الكافي لأخذ خطوة الزواج، ولكي أعف نفسي عن الحرام، وعندما أتحدث مع الوالدة في هذا الأمر تغضب، وتقول إن الرجل لا بأس إن تزوج حتى في سن الأربعين، مما لا أراه مناسبا لي، أتفهم إحساس والدتي، فهي تشعر بأنني إن تزوجت قد أوقف نفقتي عنها، مع العلم أنني أتأذى من معاملة إخواني الذين لا يصلون، ولايكترثون لشيء اسمه الأخوة، أو الدين، ويقطعون كلامي، ولا يتحدثون أيضا فيما بينهم، أتأذى أيضا من الجفاء الذي تعيش فيه أسرتي، ووالدي لا يعامل أمي بشكل جيد، والعكس صحيح، فهل يصح أن أتخذ خطوة الزواج، والمضي قدما فيها؟ وهل آثم إن توقفت عن الإنفاق على والدتي، مع الإبقاء على نفقة أبي، لأنه هو من ينفق على الأسرة، مع العلم أن الوالدة ستسخط، وتتأذى من ذلك؟
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث الشرع الحكيم على النكاح، وقد جاءت بذلك نصوص الكتاب، والسنة، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}.
وثبت في الصحيحين عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
وقد نص الفقهاء على أنه يسن النكاح لمن كان قادرا على مؤونته، وأنه واجب في حق من يخشى على نفسه الفتنة، قال الحجاوي الحنبلي في زاد المستقنع: وهو سنة، وفعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات، ويجب على من يخاف زنا بتركه....
قال البهوتي في الروض المربع، معللا كونه أفضل من نوافل العبادة: لاشتماله على مصالح كثيرة، كتحصين فرجه، وفرج زوجته، والقيام بها، وتحصيل النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك... انتهى.
والأعمار محدودة، والعوارض كثيرة، فقد تحول دون تحقيق مثل هذه المصالح، فعليك بالمبادرة للنكاح، ومحاولة إقناع أمك إن وقفت في طريقك، فإن تيسر إقناعها -فالحمد لله- وإلا فامض في أمر النكاح، واجتهد في سبيل إرضائها؛ فطاعة الوالدين إنما تجب فيما فيه مصلحة لهما، ولا ضرر على الولد فيه، كما هو مبين في الفتوى: 76303.
وإذا كانت أمك مكفية بنفقتها: فلا يلزمك مساعدتها بشيء من مالك، ولكن مهما أمكنك إعطاؤها منه على وجه لا يلحقك منه ضرر فافعل، فهذا من البر، ومفهوم البِرّ واسع؛ فإنه يتضمن كل خير يمكن أن تقدمه لها، بما في ذلك ما أرشدناك إليه من الدعاء لها؛ فإنه من البِرّ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة. انتهى.
ولا ينبغي أن يعان أخوك على البطالة، والكسل، وترك العمل، بل الأولى شحذ همته، وحثه على البحث عن سبيل، لكسب العيش، وتذكيره بما جاء في ذلك من النصوص الشرعية، ويمكن الاستعانة بما أوردنا في فتوانا: 58722.
ونوصيك بالصبر على ما قد تجد من جفاء، ونحوه من إخوتك، والسعي في إصلاح الحال في الأسرة، والاستعانة بالأخيار ممن يرجى أن يستجاب لقولهم، هذا بالإضافة لكثرة الدعاء، وسؤال رب العالمين أن يصلح الحال، وينشر الألفة والمحبة.
والله أعلم.