الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تهنئة الأب ابنه على أمر محرم لا أثر له على صحة عقد زواجه

السؤال

أنا امرأة مسلمة، تزوجت من رجل مسلم على خلق ودين بعد طلاقه من زوجته الأولى، ولها منه أبناء وقفوا بجانب أبيهم أثناء مروره بأزمة طلاقه من أمهم، وكانوا منصفين معه، ووافقوا على انفصاله عنها، وشجعوه على الزواج من أخرى، وأحد أبنائه سيتزوج من امرأة كافرة غير كتابية، ورغم اعتراض زوجي، وتقديم النصح لابنه، إلا أنه سيبارك زواج ابنه في العلن، بحجة أنه أب، وعليه أن يكون مع ابنه، ويشاركه فرحته مهما كلفه ذلك.
سؤالي هو: هل هذه المباركة العلنية من زوجي لابنه ستؤثر على شرعية زواجنا، لكونه أقدم على هذا الفعل؟ فأنا منهارة وخائفة أن يكون الإبقاء على علاقتي بزوجي -وهو يبارك ما نهى الله عنه-؛ معصية.
أفيدوني أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك في أن زواج ابن زوجك من امرأة كافرة غير كتابية أمر محرم، وهو محل إجماع بين العلماء.

قال ابن قدامة في المغني: وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الأصنام، والأحجار، والشجر، والحيوان، فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم.... انتهى.

ولا يحل لزوجك الدعاء له بالبركة، بل ولا تهنئته عليه، فإن هذا معصية، وإثم مبين.

قال ابن القيم: فمن هنأ عبدا بمعصية، أو بدعة، أو كفر، فقد تعرض لمقت الله، وسخطه... انتهى.

وتحرم مشاركته فيه؛ لأن في ذلك حضورا لمكان المنكر، وهو مما لا يجوز إلا لغرض صحيح كإنكار المنكر، قال الله سبحانه: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140}.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره: وفي هذه الآية، الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسَقة، عند خوضهم في باطلهم..... انتهى.

ولا يكفر زوجك بمجرد هذه التصرفات منه، ولا يحكم عليه بالردة بسببها، فتظل العصمة بينكما باقية، وكما يقول الفقهاء: الأصل بقاء النكاح حتى يثبت ما يقتضي زواله.

والحكم على المسلم بالكفر ليس بالأمر الهين، فمن ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه إلا بيقين مثله.

قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: هذه نزعةٌ جسيمةٌ، وجرأةٌ عظيمةٌ، فإن عبارة آحاد الناس إذا احتملت تسعة وتسعين وجهًا من الحمل على الكفر، ووجهًا واحدًا على خلافه، لا يحل أن يحكم بارتداده...... انتهى.

وننصح في الختام بالاجتهاد في ثني هذا الشاب عن الزواج من هذه المرأة غير الكتابية، وبذل النصح وتذكيره بالله عز وجل، وبخطورة ما يريد أن يقدم عليه، وأن معاشرته هذه المرأة ستكون زنًا، وليُسْتَخْدَم معه أسلوب يجمع بين الحزم واللين، وينبغي الإكثار من الدعاء له بالهداية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني