الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في أكل الطعام المضاف إليه جوزة الطيب

السؤال

قرأت في الفتوى عندكم أن جوزة الطيب حرام- والحمد لله- امتنعت عنها، ولكن الأمر يسبب لي صعوبات كثيرة مع والدتي، حيث إنها غير مقتنعة بحرمتها، وعلمت اليوم أنها وضعتها في الطعام، فلم آكل معهم، فحلفت أنها لن تكلمني لمدة أسبوع إذا لم آكل معهم، ولكنني لم استجب لها، فهل علي ذنب في ذلك؟ وهل يجب أن أسألها في كل مرة إن كانت قد وضعت هذه الجوزة أو لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في حكم استعمال جوزة الطيب في الطعام، فذهب جمع من العلماء المتقدمين والمتأخرين؛ إلى جواز استعمال القليل منها، ومنع بعضهم ذلك، وهذه بعض أقوال أهل العلم فيها:

جاء في حاشية ابن عابدين -رحمه الله: وعبارته: ومثل الحشيشة في الحرمة ‌جوزة ‌الطيب، فقد أفتى كثير من علماء الشافعية بحرمتها، وممن صرح بذلك منهم ابن حجر نزيل مكة في فتاواه، والشيخ كمال الدين بن أبي شريف في رسالة وضعها في ذلك، وأفتى بحرمتها الأقصراوي من أصحابنا، وقفت على ذلك بخطه الشريف، لكن قال حرمتها دون حرمة الحشيش، والله أعلم .انتهى.
وقال الحطاب -رحمه الله- في مواهب الجليل: قال ابن فرحون: وأما العقاقير الهندية، فإن أكلت لما تؤكل له الحشيشة امتنع أكلها، وإن أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم، ولا يحرم منها إلا ما أفسد العقل، وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران، والبنج، والسيكران من المفسدات، قليلها جائز، وحكمها الطهارة، وقال البرزلي: أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من ‌جوزة ‌الطيب لتسخين الدماغ، واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية، والصواب العموم. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- في الفتح المبين بشرح الأربعين: وسائر المسكرات، والمخدرات؛ كالحشيشة، والأفيون، والبنج، وكذا ‌جوزة ‌الطيب، كما أفتيتُ به، ونقلت فيه نص أرباب المذاهب الثلاثة: الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وأن ذلك هو مقتضى كلام الحنفية. انتهى.
وجاء في فتاوى الرملي -رحمه الله: سئل عن أكل جوز الطيب هل يجوز أو لا؟ فأجاب: نعم يجوز إن كان قليلا، ويحرم إن كان كثيرا. انتهى.
وقال المنقور -رحمه الله- في الفواكه العديدة، في المسائل المفيدة: لا يحرم من الجوزة إلا أكل القدر المسكر، أما القليل الذي لا يسكر عادة، فلا، وهذا ينبغي إخفاؤه عن العوام، وهي طاهرة، لعدم انطباق حد النجاسة عليها وإن أميعت، ما لم يصر في ذاتها شدة مطربة، كتبه عبد الرحمن بن عبد الله الشافعي. انتهى.
وقال العظيم آبادي -رحمه الله- في عون المعبود: وأما الجوز الطيب، والبسباسة، والعود الهندي: فهذه كلها ليس فيها سكر أيضا، وإنما في بعضها التفتير، وفي بعضها التخدير، ولا ريب أن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام، سواء كان مفردا، أو مختلطا بغيره، وسواء كان يقوي على الإسكار بعد الخلط، أو لا يقوي، فكل هذه الأشياء الستة ليس من جنس المسكرات قطعا، بل بعضها ليس من جنس المفترات، ولا المخدرات على التحقيق، وإنما بعضها من جنس المفترات، على رأي البعض، ومن جنس المضار على رأي البعض، فلا يحرم قليله، سواء يؤكل مفردا، أو يستهلك في الطعام، أو في الأدوية. انتهى.
وقد جاء في توصيات الندوة الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ما يأتي: المواد المخدرة محرمة لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة، وبالمقادير التي يحددها الأطباء، وهي طاهرة العين، ولا حرج في استعمال جوزة الطيب ونحوها في إصلاح نكهة الطعام، بمقادير قليلة، لا تؤدي إلى التفتير، أو التخدير. انتهى.
وجاء في الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: والحكم الشرعي للمخدرات أنها حرام في غير حالة التداوي للضرورة، أو الحاجة، وفي غير حالة إصلاح البهارات بإضافة بعضها إليها بالقدر القليل فقط، مثل خلط شيء قليل من جوزة الطيب مع البهارات، أو المقبّلات. انتهى.
فإن كانت أمّك تضع القليل من جوزة الطيب في الطعام؛ فقد ذهب جمع من العلماء إلى جوازه، وإذا كنت تأخذين بالقول بعدم الجواز؛ فقد اختلف أهل العلم في طاعة الوالدين في المسائل المختلف فيها بين أهل العلم؛ والراجح عندنا: أنّ الولد إذا كان يعتقد تحريم شيء فلا طاعة لوالديه في فعله، وراجعي الفتوى: 333040.
فعلى هذا القول لا تأثمين بمخالفة أمّك في ترك الأكل من طعامها إذا كنت تعتقدين تحريمه.
لكن الذي ننصحك به ألا تغاضبي أّمّك، وأن تداريها، وتستعملي الحيل كالتظاهر بالأكل ونحو ذلك، مما يجنبك غضب أمّك، وإذا لم يكن الغالب عليها وضع جوزة الطيب في الطعام؛ فلا يجب عليك سؤالها في كل مرة.
وعموما؛ فإنّ عليك برّ أمّك، والإحسان إليها، والرفق بها؛ فإنّ حقّها عليك عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات، ومن أفضل القربات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني