الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في الطلاق الصريح المُعَلَّق على زمن

السؤال

كنت غاضبًا من زوجتي، وقلت لها: بعد سنة أنت طالق. وقد مضى يوم على هذا الموضوع، وأنا لم أقصد الطلاق، فقد كنت غاضبا وقتها، والآن لم نعد متخاصمين.
فهل بعد سنة يقع الطلاق أو لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقولك لزوجتك "بعد سنة أنت طالق"؛ طلاق صريح معلق على زمن.

وصريح الطلاق لا يتوقف وقوعه على النية، ولا يمنع وقوعه الغضب، إلا إذا أزال الغضب العقل بالكلية.

وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو المفتى به عندنا، وراجع الفتوى: 337432

والطلاق المعلق على زمن؛ لا يقع قبل مرور هذا الزمن، عند الجمهور. وخالف المالكية فقالوا بتنجيز الطلاق عليه في الحال.

وهذه أقوال أهل العلم في المسألة:

جاء في المغني لابن قدامة: وإذا أوقع الطلاق في زمن، أو علقه بصفة، تعلق بها، ولم يقع حتى تأتي الصفة والزمن. وهذا قول ابن عباس، وعطاء، وجابر بن زيد، والنخعي، وأبي هاشم، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي.

وقال سعيد بن المسيب، والحسن، والزهري، وقتادة، ويحيى الأنصاري، وربيعة، ومالك: إذا علق الطلاق بصفة، تأتي لا محالة، كقوله: أنت طالق إذا طلعت الشمس، أو دخل رمضان. طلقت في الحال؛ لأن النكاح لا يكون مؤقتا بزمان، ولذلك لا يجوز أن يتزوجها شهرا. انتهى.

وجاء في الحاوي الكبير: قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: (وأيّ أجل طلق لم يلزمه قبل وقته).

قال الماوردي: وهذا كما قال. الطلاق يقع ناجزا، وعلى صفة، وإلى أجل، ....

وأما تعليقه بأجل فكقوله: أنت طالق إلى بعد شهر، أو إلى سنة، أو رأس الشهر، فلا يقع الطلاق عليها قبل حلول الأجل. انتهى.

وقال الدسوقي -رحمه الله- في حاشيته على الشرح الكبير: إذا قال لها: أنت طالق بعد شهر، فإنه ينجز عليه الآن. وإن أبى أن يعجلها وقف، وقيل له: إما أن تعجل التطليقة الآن، وإلا بانت منك الآن. فإن طلق بَرَّ، وإن امتنع بانت منه. انتهى.

والراجح عندنا هو قول الجمهور، فيقع طلاقك بعد مضي اثني عشر شهرًا قمريًّا.

جاء في النتف في الفتاوى للسعدي: ولو قال: أنت طالق بعد سنة، فلا تطلق حتى تمضي سنة. فإن قال ذلك عند غرة الشهر، فهو على اثني عشر شهرا، فإذا مضى ذلك طلقت.

وإن قال ذلك في وسط الشهر، فإذا مضى من الشهر الثالث عشر تمام ثلاثين يوما مع ما كان من الشهر الأول، تطلق عند ذلك. انتهى.

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإذا قال: إذا مضت سنة، فأنت طالق، أو أنت طالق إلى سنة. فإن ابتداء السنة من حين حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة؛ لقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189].

فإن حلف في أول شهر، فإذا مضى اثنا عشر شهرا، وقع طلاقه. وإن حلف في أثناء شهر، عددت ما بقي منه، ثم حسبت بعد بالأهلة، فإذا مضت أحد عشر شهرا نظرت ما بقي من الشهر الأول، فكملته ثلاثين يوما؛ لأن الشهر اسم لما بين هلالين. فإن تفرق كان ثلاثين يوما. انتهى.

وإذا مضت السنة، ووقع طلاقك، ولم يكن مُكَمِّلًا للثلاث؛ فلك مراجعة زوجتك في عدتها.

وقد بيًّنَّا ما تحصل به الرجعة شرعا في الفتوى: 54195

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني