الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفخر بالإسلام... بين المدح والذم

السؤال

ما حكم الفخر والتفاخر بالإسلام؟ وهل هو داخل في العُجب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الفخر بالإسلام إن كان المقصود به: الفرح بنعمة الإسلام، وإظهارها على وجه التحدث بنعمة الله -سبحانه- وشكره، والتواضع له -سبحانه-؛ فهو أمر محمود، مشروع. قال تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {الضحى: 11}.

وأما الفخر بالإسلام على وجه التكبر على الخلق، والعُجب بالنفس وإضافة النعمة إليها، ونسيان المنعم بها؛ فهو مذموم.

جاء في «أحكام القرآن للجصاص»: الاعتراف بنعم الله -تعالى- واجب، وجاحدها كافر. وأصل الكفر إنما هو من تغطية نعم الله -تعالى- وكتمانها وجحودها.

وهذا يدل على أنه جائز للإنسان أن يتحدث بنعم الله عنده لا على جهة ‌الفخر، بل على جهة الاعتراف بالنعمة والشكر للمنعم، وهو كقوله: وأما بنعمة ربك فحدث.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم ‌ولا ‌فخر، وأنا أفصح العرب ‌ولا ‌فخر.
فأخبر بنعم الله عنده، وأبان أنه ليس إخباره بها على وجه الافتخار.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى.
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- خيرا منه، ولكنه نهى أن يقال ذلك على وجه الافتخار.

وقال تعالى: فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع رجلا يمدح رجلا، فقال: لو سمعك لقطعت ظهره.
ورأى المقداد رجلا يمدح عثمان في وجهه، فحثا في وجهه التراب. وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتم المداحين؛ فاحثوا في وجوههم التراب.
وقد روي: إياكم والتمادح؛ فإنه الذبح. فهذا إذا كان على وجه ‌الفخر فقد كره.

وأما أن يتحدث بنعم الله عنده، أو يذكرها غيره بحضرته، فهذا نرجو أن لا يضر. اهـ.

وفي «شرح المشكاة للطيبي»: المفاخرة ‌نوعان: مذمومة ومحمودة.

فالمذموم منها: ما كان عليه الجاهلية من الفخر بالآباء، والأنساب للسمعة والرياء.

والمحمود منها: ما ضم مع النسب الحسب في الدين، لا رياء، بل إظهارا لأنعمه -تعالى- عليه.

فقوله: ((أنا سيد ولد آدم ‌ولا ‌فخر)) احتراز عن المذموم منها. اهـ.

وفي مدارج السالكين لابن القيم: فالافتخار نوعان: مذموم ومحمود.

فالمذموم: إظهار مرتبته على أبناء جنسه ترفعا عليهم، وهذا غير مراد.

والمحمود: إظهار الأحوال السنية والمقامات الشريفة بَوْحا بها، أي تصريحا وإعلانا، لا على وجه ‌الفخر، بل على وجه تعظيم النعمة، والفرح بها، وذكرها، ونشرها، والتحدث بها، والترغيب فيها، وغير ذلك من المقاصد في إظهارها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم ‌ولا ‌فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ‌ولا ‌فخر، وأنا أول شافع ومشفع ‌ولا ‌فخر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني