الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الإجبار على قسمة العقار المشترك، أو الإجبار على بيعه

السؤال

يوجد بيت ورثة، وهم: ٤ بنات، وولد، وعمّان لهما نصيبهما من أمهما.
البيت ١٤٠ مترا على ٣ أدوار، ووسط دار، يعني يمكن تقسيمه. ٣ بنات يردن بيع البيت، والحصول على أموال، والولد، والبنت الرابعة لا يريدان بيع البيت،
والعمان كتبا حقهما للولد؛ لأنه حق قليل، وبتراض منهما، فبهذا يكون الولد، والبنت اللذان لم يوافقا لهما أكثر من نصف البيت. وال ٣ بنات اللاتي يردن البيع لهن أقل من النصف، وما زلن يردن البيع، والولد يقول لهن: تعالين أقسمن، وخذن حقكن في البيت، فأنا لا أمنع شرع الله، وهن يقلن: (لا. نحن لا نريد إلا المال)،
وهو لا يستطيع أن يدفع لهن، ولا يريد أن يبيع نصيبه من بيت والده.
فهل الذين لا يريدون البيع آثمون؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففصل النزاع في مسائل الميراث، والحقوق المشتركة مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك؛ لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك. وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة، إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.

ويتأكد ذلك في مسائل الخلاف الفقهي الذي لا يرفعه إلا حكم القاضي، ومن جملة ذلك تفصيل الفقهاء في حكم الإجبار على قسمة العقار المشترك، أو الإجبار على بيعه، ففي بعض الأحوال يُجبر الممتنع عن القسمة عليها، وفي بعضها يُجبر الممتنع عن البيع عليه، وذلك بحسب الواقع، وإثبات، أو نفي الضرر بالقسمة.

قال ابن قدامة في المغني: إذا طلب أحدهما القسمة، فامتنع الآخر، لم يخل من حالين: أحدهما، يجبر الممتنع على القسمة، وذلك إذا اجتمع ثلاثة شروط: أحدها: أن يثبت عند الحاكم ملكهما ببينة ... الشرط الثاني: أن لا يكون فيها ضرر، فإن كان فيها ضرر، لم يجبر الممتنع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ضرر، ولا ضرار» ... الشرط الثالث: أن يمكن تعديل السهام من غير شيء يجعل معها، فإن لم يمكن ذلك، لم يجبر الممتنع؛ لأنها تصير بيعا، والبيع لا يجبر عليه أحد المتبايعين ...، فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة، أجبر الممتنع منهما على القسمة؛ لأنها تتضمن إزالة ضرر الشركة عنهما، وحصول النفع لهما؛ لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز، كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره، ويتمكن من إحداث الغراس، والبناء، والزرع، والسقاية، والإجارة، والعارية، ولا يمكنه ذلك مع الاشتراك، فوجب أن يجبر الآخر عليه؛ لقوله -عليه السلام-: «لا ضرر، ولا ضرار» ... الحال الثاني: الذي لا يجبر أحدهما على القسمة، وهي ما إذا عدم أحد الشروط الثلاثة، فلا تجوز القسمة إلا برضاهما، وتسمى قسمة التراضي، وهي جائزة مع اختلال الشروط كلها؛ لأنها بمنزلة البيع، والمناقلة، وبيع ذلك جائز. اهـ.

والعقار الذي لا يمكن قسمه إلا بضرر، كالدار الصغيرة، فلا يجوز قسمه، قال الحجاوي في «زاد المستقنع»: لا تجوز قسمة الأملاك التي ‌لا ‌تنقسم ‌إلا ‌بضرر، أو رد عوض، إلا برضى الشركاء. اهـ.

وما لا يجوز قسمه إذا طالب أحد الشريكين بالبيع، وامتنع الآخر أجبر عليه، قال البهوتي في «الروض المربع»: ومن دعا شريكه فيها إلى بيع أجبر، فإن أبى باعه الحاكم عليهما، وقسم الثمن بينهما على قدر حصصهما. اهـ.

قال ابن قاسم في «حاشية الروض المربع»: أجبر الممتنع؛ ليتخلص الطالب من ضرر الشركة. اهـ.

وراجع في ذلك الفتاوى: 136382، 104153، 471076.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني