السؤال
والدي منذ 40 سنة، وهو قاطع لأهله، حتى توفي جدي، أي والده، وواصل المقاطعة، وجدتي لم تقسم الميراث منذ 12 سنة من وفاة جدي، وأنا لم أقطع أحدا منهم، وأدعوهم، وأدعو الله أن يهديهم إلى الصراط المستقيم، والآن أبي يطالبني بالحضور في قسمة الميراث، وأنا رفضت، وقلت له: اذهب أنت إلى أهلك.
هل رفضي له من العقوق؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن عليك ضرر حقيقي في حضور قسمة الميراث؛ فالواجب عليك طاعة أبيك، ولا يجوز لك الامتناع من الحضور، سواء أراد منك مصاحبته لحضور القسمة، أو أراد ذهابك بمفردك، حتى وإن كان عليك مشقة في الحضور؛ فإنّ طاعة الوالد فيما له فيه نفع، وليس على الولد فيه ضرر، واجبة>
قال ابن تيمية -رحمه الله-: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا، وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. انتهى من الفتاوى الكبرى.
وإذا تأذى والدك من امتناعك من حضور القسمة؛ فهذا داخل في العقوق المحرم، وانظر الفتوى: 299953
واعلم أنّ حقّ أبيك عليك عظيم؛ فعليك برّه، والإحسان إليه، ومن برّه أن تنهاه عن قطع الرحم، وتأمره بصلته، لكن برفق، وأدب من غير إغلاظ، ولا إساءة؛ فإنّ أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر ليس كأمر، ونهي غيرهما.
قال ابن مفلح الحنبلي -رحمه الله-: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمَا عَن الْمُنْكَرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَل: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ، وَلَا إسَاءَةٍ، وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ. انتهى من الآداب الشرعية.
واحرص على مخاطبة أبيك بالأدب، والرفق، والتوقير، والتواضع له، قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء: 23}: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله، وسكناته، ونظره. انتهى.
واعلم أنّ بر الوالدين من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
والله أعلم.