الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الكذب في المزاح

السؤال

اختصم اثنان من الصحابة، فقال أحدهما لرجل: أتشتري هذا العبد، يقصد الصحابي الآخر، فقال له الصحابي الآخر: أنا حر، أنا حر ... إلى آخر القصة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتبه على كذبه، فهل الكذب حال المزاح حرام أم حلال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الكذب مذموم أصلاً، ولا يصلح في جد ولا هزل، كما قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل.

وجاء في بريقة محمودية شرح طريقة محمدية: (وَشَرْطُ جَوَازِهِ) -يعني المزاح- قَوْلا أَوْ فِعْلا (أَنْ لا يَكُونَ فِيهِ كَذِبٌ وَلا رَوْعُ مُسْلِمٍ)، وَإِلا فَيَحْرُمُ. اهـ.

وقد جاء التحذير من الكذب لإضحاك الناس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ويل للذي يحدث، فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ثم ويل له. والحديث قوى إسناده الحافظ ابن حجر رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر عاص لله ورسوله، وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الذي يحدث، فيكذب ليضحك القوم، ويل له، ويل له، ثم ويل له ـ وقد قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئًا ثم لا ينجزه، وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين، فهو أشد تحريمًا من ذلك، وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك. اهـ.

واعلم أن المزاح المذكور في قصة من يشتري العبد لم نطلع على وقوعه بين الصحابة، وإنما وجدناه في مزاح النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زاهر بن حرام -رضي الله عنه-، فقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن ثابت البناني، عن أنس: أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يهدي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه». وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني من هذا، فالتفت، فعرف النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، حين عرفه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من يشتري العبد؟» فقال: يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لكنك عند الله لست بكاسد، أو قال: لكن عند الله أنت غال.

وقد بوب البيهقي عليه في الآداب (ص: 134) فقال: باب المزاح المباح، ثم قال بعد ذكره للقصة: (فهذا وأمثاله جائز). اهـ.

وتوجيه عدم الكذب فيه أنه أراد عبوديته لله، قال الملا علي قارئ في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3065): ووجه تسميته عبدا ظاهر، فإنه عبد الله، ووجه الاستفهام على الاشتراء الذي يطلق لغة على مقابلة الشيء بالشيء تارة، وعلى الاستبدال أخرى، أنه أراد من يقابل هذا العبد بالإكرام، أو من يستبدله مني بأن يأتيني بمثله... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني