الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من فعلت ما علق زوجها عليه طلاقها جاهلة أو ناسية أو متأولة

السؤال

قبل سنوات، علّق زوجي طلاقي على أمرين: إذا ذهبتُ إلى أهلي، أو خرجتُ من دون إذنه، وإذا خرجتُ وحدي. وأنا، والله، نسيت الموضوع تمامًا، وهو لم يذكرني به أبدًا. وللأسف، وقع الشرطان، وصدفة قرأتُ عن الموضوع، وتذكرت أن زوجي ربط فعلي هذين الشرطين بالطلاق، ولكن لم أتذكر اللفظ. ظننته قال "أطلقك"، فاعترفت له، فقال لي: "علقت طلاقك، ونيتي كانت التهديد لا الطلاق أبدًا."
أنا لا أتذكر متى قال لي هذا الكلام، أو كيف قاله، ثم ذهبنا إلى المفتي، وسأل المفتي زوجي، فقال له: "نيتي ليست طلاقًا"، وقال له: "كنت أجهل أن هذا يوقع الطلاق من الأساس." وحكم لنا بعدم وقوع الطلاق.
ثم قرأت عن الموضوع، ووجدت أن كثيرًا من الشيوخ يرجعونه إلى النية، فارتحت للفتوى، ولكن بقي في نفسي بعض الخوف من جهة اتباع الرخص.
بعد مدة، بدأت أتذكر تفاصيل وقوع الشرطين. فتذكرت أمرين مهمين:
الأول: بالنسبة للخروج وحدي: تذكرت أنني خرجت مرتين منذ سنوات وحدي دون إذن زوجي، ولكن والله أولاً: أنني كنت أجهل هذا التعليق، وثانيًا: يغلب على ظني أن زوجي في تلك الفترة لم يكن قد تلفظ بالتعليق، لأننا كنا في بداية زواجنا، ولا أظن أنه قد ذكر سيرة الطلاق. وعندما سألته متى تلفظت بالتعليق؟ قال: "لا أذكر."
الثاني: بالنسبة للخروج دون إذنه: فعلاً خرجتُ مرات عديدة مع أهلي إلى أماكن، وإذا أخذت إذنه، فمستحيل يعارض، لأنها أماكن دائمًا أطلب إذنه في الذهاب إليها مع أهلي، ولا يعارض. فخرجت دون إذنه جهلاً بالتعليق ونسيانًا له.
وفي إحدى المرات، ذهبت مع أهلي لزيارة بيت أقاربنا ولم أخبره، وعندما عدتُ إلى المنزل، تذكرت فجأة كلامًا يخص هذا الموضوع. فمرة قلت له: "إذا كنتَ مارًا على منزل أهلي ووجدتني في الخارج دون إذنك، ماذا ستفعل؟ قال لي: "أطلقك مباشرة." ولم أتذكر غير هذا القول. فبحثت عن الفتاوى، فوجدت فتاوى في موقعكم تقول: "إذا قال الرجل لزوجته: إذا فعلتِ هذا سأطلقك، فهذا وعد بالطلاق، ولا يقع، ولو كثرت ألفاظه، ولا يجب الوفاء به." فقلت في نفسي: هذا وعد، يعني إذا علم بخروجي، فإنه سيطلقني. وخرجت بعدها مرتين على أساس الفتوى التي قرأتها، واعتقدت أنه ربما سيطلقني عندما يجدني قد خرجت، وبعدها تبت إلى الله، وندمت على فعلي، وقررت أنني لن أخرج إلا بإذنه.
أنا أحب أن أتحرى الحق، ولا أريد أن أتتبع الرخص، ولكن ما حدث معي سببه النسيان والجهل والتأويل، أما زوجي، فهو مقتنع بفتوى الشيخ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان زوجك قد استفتى من يثق به، وأفتاه بعدم وقوع الطلاق، فقد أدى ما هو مطلوب منه من سؤال أهل العلم، فيما يحتاج إلى معرفة حكمه الشرعي والعمل بفتواهم.

قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها، لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه، ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.

وسؤالكِ عن أمر الأخذ بالرخصة، إن كنتِ تعنين به عمل زوجك بفتوى من أفتاه بعدم وقوع الطلاق، فليس هذا من تتبع الرخص المذموم، والمنهي عنه شرعًا. وراجعي فيه الفتوى: 134759.

وبناء على هذا؛ فالعصمة الزوجية باقية بينك وبين زوجك، فلا تتكلفي البحث أو السؤال عمّا إذا كان الطلاق قد وقع أم لا، وتجاهلي كل شكوك قد تنتابك في أمر بقاء العصمة.

علمًا بأن المرأة إن كانت مهتمة بما علق عليه زوجها طلاقها، وفعلته جهلاً أو نسيانًا أو متأولة، لم يقع الطلاق على الراجح عندنا، كما هو مبيّن في الفتوى: 168073.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني