السؤال
أمي مريضة بالسكر، وأُصيبت قدمها بالتهاب، وقرر الطبيب قطع أصابعها، لكننا لم نخبرها بالحقيقة، بل قلنا لها إنها عملية عادية، لأننا لو أخبرناها، لم تكن لتقبل، ووالله إننا لم نقصد إلا مصلحتها، حتى لا يمتد الالتهاب إلى الأعلى، فيصبح البتر أكبر. فهل علينا إثم حينما لم نخبرها؟ وما هي الكفارة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمريض إذا كان من ذوي الأهلية للإذن، وكانت حالته الصحية تسمح بأخذ موافقته، فلا يجوز إجراء جراحة له إلا بإذنه.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بشأن العلاج الطبي: يشترط إذن المريض للعلاج إذا كان تام الأهلية. اهـ.
وجاء في قراره بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها، في بيان الضوابط والشروط العامة لإجراء عمليات جراحة التجميل: أن يكون العمل الجراحي بإذن المريض. اهـ.
وقال الدكتور محمد علي البار في بحثه (إذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منها) المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي: قد صحّ عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني، لا يبقى منكم أحد إلا لُدَّ، غير العباس، فإنه لم يشهدكم. أخرجه البخاري ومسلم ... وهذا يوضح أن إذن المريض البالغ العاقل ضروري لإجراء أمر التداوي، فإذا صرّح المريض، أو أشار أنه يرفض نوعًا من أنواع التداوي، فله الحق في ذلك، ويكون إجباره على التداوي تعديًا ... ولا شك أن إجراء عملية، أو فحص طبي، أو إعطاء المريض دواء دون إذنه، يشكّل اعتداء على هذا المريض. ولو كان المقصد حسنًا. وما دام المريض قادرًا على اتخاذ القرار، فلا يجوز مخالفة أمره، أو رغبته. اهـ.
وقال الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي في رسالته العلمية (أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها): مما يشترط لجواز فعل الجراحة الطبية أن يأذن المريض بفعلها إذا توفرت فيه أهلية الإذن ... وقد أشار الإمام ابن قدامة -رحمه الله- إلى اعتبار إذن المريض، أو وليه وذلك بقوله: "وإن ختن صبيًا بغير إذن وليه، أو قطع سلعة من إنسان بغير إذن، أو من صبي بغير إذن وليه فسرت جنايته ضمن، لأنه قطع غير مأذون فيه. وإن فعل ذلك الحاكم، أو من له ولاية عليه، أو فعله من أذنا له لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعًا. اهـ.
فأشار -رحمه الله- إلى اعتبار إذن المريض في قوله: "أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه" ... ومما يدل على اعتبار الفقهاء -رحمهم الله- لهذا الشرط ما نصوا عليه من أن الطبيب لا يجوز له أن يجبر المريض إذا استأجره لقلع ضرسه أو سنه الوجعة، ثم امتنع المريض من تمكينه من فعل الجراحة مع وجود الألم، قال الخطيب الشربيني -رحمه الله-: " ... فإن لم تبرأ، ومنعه من قلعها لم يجبر عليه" اهـ.
فحكمهم بعدم إجبار المريض على فعل الجراحة مع وجود السبب الموجب لفعلها وهو الألم، فيه دليل واضح على أنه ليس من حق الطبيب الجراح أن يقدم على فعل الجراحة بالمريض، إلا بعد موافقته على فعلها باختياره. اهـ.
وعلى ذلك؛ فلم يكن لكم أن تكذبوا عليها في شأن جراحتها، وكان يلزمكم أخذ إذنها قبل إجرائها، فاستغفروا الله تعالى، واطلبوا السماح منها.
والله أعلم.