الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: استأخرن، فإنه ليس لَكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريق

السؤال

في الحديث "فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ" وأيضًا في حديث آخر عن أبي هريرة: أنه ليس للنساء أن يمشين وسط الطريق.
لقد أشكل عليَّ هذا الحديث؛ لأنني فهمت منه أن مشي النساء وسط الطريق حرام بكل حال، ولكن الذي أشاهده في الأسواق والشوارع هو أن النساء والرجال يمشون، وليسوا متلاصقين ببعض، أي لا توجد ملامسة بينهم. فهل فعل هذا أيضًا حرام، أم إنه مكروه؟ أرجو شرح هذا الحديث -لو تفضلتم- والأحكام المتعلقة به.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جاء نهي النساء عن المشي وسط الطريق، كما في حديث أبي أُسَيْدٍ الأنصاري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: استأخرن، فإنه ليس لَكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريق، عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود.

قال ابن رسلان الشافعي في شرحه لسنن أبي داود: استأخرن: ابعدن عن وسط الطريق، وفيه دليل على منع النساء من اختلاطهن بالرجال في وسط الطريق، بل ينفردن في حافات الطريق، كما سيأتي؛ لأن ذلك أبعد من النظر إليهن، فإن ذلك مظنة الفساد، والعادات تشهد بفساد هذا المنكر... (عليكن بحافات) بحاء مهملة، وفاء مخففة، جمع حافة (الطريق) أي: ناحيته، وجانبه، لينفردن عن الرجال؛ فهو أستر لهن، وهذا مستحب إذا اجتمع الرجال والنساء.
أما إذا انفرد النساء، فمشين في وسط الطريق، فلا حرج؛ لزوال المفسدة، وهي اختلاط الرجال، فإنه لا يجوز في الطريق، ولا من المساجد، ومجالس الوعظ، ولا في المطاف بالبيت، ولا غير ذلك، وقد كثر ذلك حتى في المساجد الثلاثة، فنسأل اللَّه العافية
. اهـ.

وبوّب ابن حبان بابًا في صحيحه فقال: ذكر الزجر عن أن تمشي المرأة في حاجتها في وسط الطريق.

ثم ساق فيه حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس للنساء وسط الطريق. رواه ابن حبان. وقال عقب روايته له: قوله صلى الله عليه وسلم: ليس للنساء وسط الطريق. لفظة إخبار، مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه، وهو مماسة النساء الرجال في المشي، إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه، والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب، حذر ما يتوقع من مماستهم إياهن. اهـ.

والذي يظهر من كلام الشرّاح؛ أن التحريم مختص بالمشي الذي تحصل به المماسة بين الجنسين، وأن المشي الذي لا تحصل به مماسة ليس محرّمًا، ولكن يستحب الفصل بينهما في الممشى، كما في كلام ابن رسلان عند قوله: لينفردن عن الرجال؛ فهو أستر لهن، وهذا مستحب إذا اجتمع الرجال والنساء. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني