السؤال
ما مدى صحة القول بأن زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم تُوفِّيت شهيدةً بسبب سقوطها أثناء هجرتها؟ وما مدى صحة قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع هبَّار بن الأسود، الواردة في كتاب التوابين؟
ما مدى صحة القول بأن زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم تُوفِّيت شهيدةً بسبب سقوطها أثناء هجرتها؟ وما مدى صحة قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع هبَّار بن الأسود، الواردة في كتاب التوابين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الثابت في كتب السيرة أن زينب -رضي الله عنها- ماتت بالمدينة المنورة سنة ثمان من الهجرة.
وقد ورد أن سبب موتها أن هبَّار بن الأسود نخس بعيرها، فخافت فأسقطت حملها، ومرضت من ذلك ثم ماتت بعد فترة، فقد أخرج البزار، والحاكم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قدم المدينة خرجت زينب ابنته من مكة مع كنانة، أو ابن كنانة، فخرجوا في إثرها، فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها، وألقت ما في بطنها، وأهريقت دمًا، وحُمِلت.. الحديث". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.
وروي أن سبب موتها أن هبار بن الأسود ضربها هي نفسها بالرمح فأسقطت حبلها، ووجعت حتى ماتت، فقد أخرج سعيد بن منصور في سننه: عن ابن أبي نجيح، أن هبَّار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، وهي في خدرها، فأُسقِطت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فقال: إن وجدتموه، فاجعلوه بين حزمتي حطب، ثم أشعلوا فيه النار، ثم قال: إني لأستحيي من الله، لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله، وقال: إن وجدتموه فاقطعوا يده، ثم اقطعوا رجله، ثم اقطعوا يده، ثم اقطعوا رجله، فلم تصبه السرية، وأصابته نَقْلَةٌ إلى المدينة، فأسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: هذا هبار، يسب ولا يسب، وكان رجلاً سبابًا، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يمشي حتى وقف عليه، فقال: يا هبار، سب من سبك، يا هبار سب من سبك.
وقال الواقدي في مغازيه في ترجمة هبار بن الأسود: وكان جرمه أنه عسَّ بابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وضرب ظهرها بالرمح -وكانت حبلى- حتى سقطت، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه. انتهى.
والظاهر أنها وصفت بكونها شهيدة؛ لأن ما أصابها كان سببًا في موتها، فقد أخرج الطبراني عن عروة بن الزبير: أن رجلاً أقبل بزينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلحقه رجلان من قريش، فقاتلاه حتى غلباه عليها، فدفعاها، فوقعت على صخرة، فأسقطت وهريقت دمًا، فذهبوا بها إلى أبي سفيان، فجاءته نساء بني هاشم، فدفعها إليهن، ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة، فلم تزل وجعة حتى ماتت من ذلك الوجع، فكانوا يرون أنها شهيدة. وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وهو مرسل، ورجاله رجال الصحيح. انتهى، وللفائدة راجع الفتوى: 121389.
وأمّا قصة إسلام هبَّار بن الأسود بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقبول النبي صلى الله عليه وسلم توبته، والكف عن قتله، فقد أوردها ابن قدامة في كتاب التوابين، من طريق محمد بن عمر الواقدي، وقد ذكرها الواقدي في كتابه المغازي، وهو متروك عند أهل الحديث.
قال الذهبي في السير: قال البخاري: سكتوا عنه، تركه أحمد وابن نمير. وقال مسلم وغيره: متروك الحديث. انتهى.
إلا أن القصة وردت من غير طريق الواقدي، فقد سبق أن أشرنا إلى رواية سعيد بن منصور في سننه، وقد نقلها ابن حجر في الفتح، وقال: والقصة مشهورة عند ابن إسحاق وغيره... وقد أسلم هبار هذا، ففي رواية ابن أبي نجيح المذكورة، فلم تصبه السرية، وأصابه الإسلام فهاجر، فذكر قصة إسلامه .. وعاش هبار هذا إلى خلافة معاوية. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني