الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوفيق بين حديث: إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه.. وحديث: لا تُقتل نفسٌ ظلمًا..

السؤال

كيف نُوازن بين حديث: "إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه، إلا من ثلاثة: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له"، وحديث: "لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابنِ آدمَ الأول كفلٌ من دمها"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديثان متفقان، وليسا متعارضين: والمعنى الذي يجمعهما هو أن ما تولّد عن فعل العبد يلحقه ثوابه أو عقابه.

جاء في جامع المسائل لابن تيمية: والله تعالى في كتابه ذكر الفعلَ، وذكر ما يتولَّد عنه، وجعله من عملِ العبد، كما في قوله: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين)، فهذه الأمور لم يفعلوها.
ثم قال: (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب)، فالإنفاقُ وقطع الوادي نفس عملهم، فكتب، وما تقدم أثر عملهم الصالح، فكتب لهم به عمل صالح، كدعاء الولد، فإنه أثر عمل الوالد، وإن كان الوالد لم يقصد دعاءه، كما لم يقصد هؤلاء ما حصل من الظمأ والمخمصة والنصب.
وأمّا الداعي إلى الهدى، فهو قصد هدى المدعوين ولم يفعلوا ما أمرهم به، وبذل مقدوره في فعلهم، فصار قاصدًا للفعل عاملاً ما يقدر عليه في حصوله، فله أجر الفاعل، وكذلك من سَنَّ سنةً حسنةً ومن سَنَّ سنة سيئةً، والبيان للفعل الذي هو رَسَمَه ليُحتَذَى، فهو يقصد أن يُتَّبع فيه.
فإن قيل: فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تُقتَل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها، لأنه أول من سنَّ القتلَ". وهو لم يقصد أن يقتل كل قاتل.
قيل: هو صلى الله عليه وسلم لم يقل هنا إنَّ عليه مثلَ إثمِ كل قاتل، بل قال: "عليه كِفلٌ من دمها"، لأن ذلك من أثر فعلِه، كما كتب ابتداءً بهذا الفعل، وقد قال تعالى في حق أئمة الكفر: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ*وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)، وقال: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ). فما تولد عن فعل العبد يحصل له منه ثواب وعقاب وإن لم يقصده، ولكن حصول مثل أجر العامل فرع أخص من ذلك.
اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني