السؤال
أسأل هذا السؤال منذ 12 عاما ولم يجبني عليه أي فقيه أو قارئ، وهو على أي أساس قام الحجاج بتقسيم المصحف إلى أرباع وأحزاب وأنصاف... إلخ، فنجد الأرباع والأحزاب وكل التقسيمات غير متساوية، وليس من البديهي أنه تم التقسيم عشوائياً أليس كذلك، أكرر أنا لا أسأل عن الحكمة في هذا التقسيم، ولكن أسأل عن القاعدة التي تم تقسيم المصحف عليها، التي بها أعرف لماذا عند هذه الآية كان الربع والنصف، فنحن لا نجود القرآن عشوائياً، ولكن على قواعد، فنعرف متى نخفي الأحرف ومتى نظهرها، وشكراً، رجاء الرد علي حتى وإن كانت الإجابة الله أعلم. فإن من الأدب الرد على السائل، ولا تفعلوا كما فعل البعض معي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل الاعتبار الأساس الذي تم عليه تقسيم القرآن الكريم إلى أجزاء وأحزاب وأرباع.. هو الكمّ، ولا يمنع ذلك أن تكون هناك اعتبارات أخرى، والذي جعلنا نرجح أن الكم هو الاعتبار الأساس لهذا التقسيم هو أن جُلَّ أجزاء القرآن تأخذ عشرين صفحة من المصحف (عشر ورقات من المتوسط، وكل صفحة من تلك الصفحات تحمل خمسة عشر سطراً بخط متساوي الأطراف).
نلاحظ ذلك في مصحف مجمع المدينة المنورة والمصاحف التي نحت نحوه، ولا يشذ عن هذه القاعدة إلا أجزاء قليلة وخاصة إذا كثرت فيها السور، ولعل ذلك بسبب ذكر عنوان السورة في سطر مستقل.
ويستأنس لما ذكرنا بما جاء في الإتقان والبرهان أن منتصف القرآن الكريم من حيث عدد الحروف هو عند النون من كلمة: نُّكْرًا من قول الله تعالى: لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا [الكهف:74].
وقيل عند الكاف، وهذا هو منتصف القرآن من حيث الكمية وعدد الأجزاء، فكلمة نُّكْرًا ينتهي عندها الجزء الخامس عشر، ويبدأ النصف الثاني بالجزء السادس عشر بقول الله تعالى: قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ...
ومما يؤيد هذا الرأي أن التقسيم جاء أصلاً للتسهيل وتحديد كمية معينة لمن أراد الحفظ أو التلاوة أو الختم أو اتخاذ ورد مناسب، ولهذا نلاحظ أن الأجزاء المذكورة لا تتقيد في بدايتها ونهايتها بانتهاء السياق في الغالب، وقد يتم التقيد بالسياق في بعض الحالات، وهذا هو الذي ينشأ عنه تفاوتها، ولا يكون ذلك -غالباً- إلا في الأرباع والأثمان والأحزاب. أما الأجزاء، فإن كميتها في الغالب متقاربة حوالي عشرين صفحة كما ذكرنا.
ونظراً لأن هذا التقسيم ليس توقيفيا وإنما هو اجتهادي، فإن بداية هذه الأجزاء والأحزاب ليست محل اتفاق، ولهذا تجد أن علامات الأرباع والأثمان والأحزاب تختلف باختلاف البيئات والمدارس، وباختلاف المصاحف والطبعات... ومع ذلك فالفرق يظل محدوداً.
وبما أن هذا الأمر لا ينبني عليه عمل ولا يترتب عليه حكم ولا يلزم التقيد به شرعاً، لأنه ليس توفيقياً من النبي صلى الله عليه وسلم كما أشرنا، وإنما قام به أهل العلم من أجل التسهيل، فإن كثيراً ممن كتبوا في علوم القرآن كالزركشي والسيوطي والزرقاني لم يبحثوا في هذا الموضوع كثيراً، وإنما اكتفوا بذكره عرضاً، ولم يذكروا الأسس أو القواعد التي تم عليها التقسيم.
ونحن لا نستبعد أن هذا التقسيم لم يقتصر على نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر، والحجاج الذي أشرف على عملهما بصفته ولي الأمر في ذلك الوقت، بل يمكن أن تكون كل جهة لها تقسيماتها التي تعارفت عليها، ونلاحظ ذلك في الفرق بين تحديد هذه الأجزاء في المصاحف التي طبعت في المشرق برواية حفص، والتي طبعت في المغرب برواية قالون أو ورش.
بل إن تحزيب الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم للقرآن الكريم يختلف من واحد إلى آخر.. فبعضهم كان يجزئه على أيام الأسبوع بثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشر سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل. رواه أحمد، وروى البيهقي في السنن أن أبي بن كعب كان يختم القرآن في كل ثمان، وبعضهم كان يجزئه على ثلاث...، ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 33104، 177.
والله أعلم.