السؤال
لي صديقٌ تاجر، يملك محلًّا لبيع المواد الغذائية، وقد أراد أن يهديني قارورة لبن، فحلفتُ يمينًا ألّا آخذها إلا بعد أن أُسدِّد ثمنها. فحلف هو الآخر ألّا يقبض الثمن. فأدخلتُ يدي في جيبي، وناولته ورقة نقدية، لكنه أعادها إليّ قائلًا: "حلفتُ ألّا آخذ ثمنها". ثم أدخلتُ يدي في جيبي مرة أخرى، فعثرتُ على دُريهمات لا تَبلغ ثمن القارورة، وبعد أن رفض الورقة النقدية، وضعتُ ما وجدتُه من مال فوق مكتبه وخرجت. فهل أُعَدّ حانثًا؟ وهل تُجزئني هذه الدراهم التي تركتُها بنية تسديد الثمن؟ وماذا عن يمينه هو؟
جزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت حلفت ألا تأخذ قارورة اللبن حتى تدفع ثمنها الذي تُباع به، فدفعك لبعض الثمن لا يحصل به البر باليمين؛ لأن الحالف على فعل شيء لا يبر يمينه إلا بفعل جميع المحلوف عليه.
جاء في منح الجليل للشيخ محمد عليش المالكي: الْبِرِّ لا يحصل بفعل بعض المحلوف على فعله، كَحَلِفِهِ لَآكُلَنَّ هذا الرغيف، فلا يبر بأكل بعضه، ولو لم يقل كُلَّهُ. اهـ.
وقال البهوتي الحنبلي في دقائق أولي النهى لشرح المنتهى: وإن حلف ليفعلن شيئًا، لم يبرأ حتى يفعل جميعه؛ لأن اليمين تناولت فعل الجميع، فلم يبرأ إلا به، فمن حلف ليأكلن الرغيف، لم يبرأ حتى يأكله، أو حلف ليدخلن الدار، لم يبرأ حتى يدخلها بجملته. اهـ.
وأما يمين صاحبك: فإذا كان قصده، أو الباعث على يمينه يقتضي ألا يأخذ شيئًا من الثمن، فإنه يحنث إذا أخذ بعضه، وإلا: فإنه لا يحنث بأخذ بعض الثمن عند كثير من أهل العلم، ومن باب أولى -في عدم حنثه- إن كان لم يأخذ ما وضعته من الثمن فوق مكتبه. وراجع تفصيل هذه المسألة في الفتوى: 223780.
مع التنبيه على أنه لا ينبغي للمسلم أن يكثر الحلف بالله سبحانه، وقد ثبت الأمر بحفظ الأيمان، كما قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89]. وقال تعالى أيضًا: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة: 224].
والله أعلم.