السؤال
كيف يمكن الاستدلال بحديث النزول على الظاهر مع دلالة نزول الملائكة وجبريل عليه السلام في ليلة القدر مع ضرب المثل الأعلى لله عز وجل .. وهل ثلث الليل الأخير أفضل من ليلة القدر ؟ أرجوالاهتمام بالرد لأن هذا يسبب إثارة في أن المذهب القائل بحديث النزول على الظاهر مع نفي الكيفية باطل وأن الحديث مؤول بنزول الملك كما في كتاب الإمام النسائي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق الجواب على مثل هذا السؤال في الفتوى رقم: 58758. أما تأويل الحديث بنزول الملك فتحريف باطل، وهو قول للجهمية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قلت الذي ينزل ملك قيل هذا باطل من وجوه منها: أن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار إلى الأرض؛ كما قال تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ{النحل: 2}. وقال تعالى: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ{مريم: 64}. وفي الصحيين عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي أنه قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر... الحديث. وكذلك ثبت عن أبي هريرة: إن لله ملائكة سياحين فضلاً يتتبعون مجالس الذكر.... الحديث. والوجه الثاني أنه قال فيه: من يسألني فأعطيه؟ ومن يدعوني فأستجيب له؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟ وهذه العبارة لا يجوز أن يقولها ملك عن الله، بل الذي يقول الملك ما ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال: إذا أحب الله العبد نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيجبه جبريل، ثم ينادي في السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. فالملك إذا نادى عن الله لا يتكلم بصيغة المخاطب بل يقول: إن الله أمر بكذا أو قال كذا. وهذا تأويل من التأويلات القديمة للجهمية فإنهم تأولوا تكليم الله لموسى بأنه أمر ملكاً فكلمه، فقال لهم أهل السنة: لو كلمه ملك لم يقل: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني، بل كان يقول كما قال المسيح: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم. فالملائكة رسل الله إلى الأنبياء تقول كما كان جبريل عليه السلام يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ {مريم: 64}. ويقول: إن الله يأمرك بكذا ويقول كذا، لا يمكن أن يقول ملك من الملائكة: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي{طـه: 14}. ولا يقول: من يدعوني فأستجيب له... . ولا يقول: لا يسأل من عبادي غيري. كما رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما وسندهما صحيح أنه يقول: لا أسأل عن عبادي غيري. وهذا أيضا مما يبطل حجة بعض الناس، فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث( أنه يأمر منادياً فينادي). فإن هذا إن كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرب يقول ذلك ويأمر منادياً بذلك، لا أن المنادي يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن روى عن النبي أن المنادي يقول ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الله، فإنه مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفاً عن سلف فاسد في المعقول فعلم أنه من كذب بعض المبتدعين كما روى بعضهم يُنزِل بالضم. اهـ. بتصرف.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 41473. أما قولك : كما في كتاب النسائي. فغير واضح، فهل المقصود رواية النسائي للحديث، فإن كان كذلك فقد سبق توجيه رواية النسائي في كلام ابن تيمية، وإن كان المقصود أن النسائي يؤول الحديث بنزول الملك فلم نجد للنسائي في كتبه المنشورة ما يفيد ذلك؛ بل المشهور عنه رحمه الله هو قول السلف في إثبات الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تشبيه.
والله أعلم.