الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزوجة النصرانية التي لا تلتزم بأحكام دينها

السؤال

حضرة الشيخ الفاضل بعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:بالطبع لم أحمل رسالتي لكم أي أجر، فأنا أعرف مسبقا بأنه يغريكم أجر أكبر وأبقى، ذلك الأجر الذي تتقاضونه ممن لا يضيع مثقال ذرة، أعيش وأعمل في روسيا ومتزوج من روسية كانت قد قالت لي في بداية الزواج الشرعي بأنها مسيحية ثم اكتشفت مع الأيام بأنها بشكل فعلي لا تمت لدين بصلة وخاصة عندما حاولت أن أقنعها بأن تسلم بل قد تكون في داخلها ليست متأكدة من وجوده سبحانه، الآن لدي طفلة منها أصبح يقارب عمرها الثلاث سنوات، منذ بداية حملها وحتى الآن وأنا في حالة كآبة وحيرة شديدة أحاول بكل استطاعتي تعليم طفلتي اللغة العربية تمهيدا لتعليمها الإسلام وإقناعها به في المستقبل لأنني أعتقد بأنني سأدخل النار إن لم تصبح مسلمة أو إن أصبحت جاهلة بالإسلام وبطريقة أداء واجباته، الآن زوجتي حامل من جديد منذ أسبوعين اثنين فعرضت عليها أن تسقط الحمل حتى لا يتكرر ذنبي ورغم أنها ترغب بطفل ثان وأنا أيضا أرغب لولا خوفي مما ذكرت لفضيلتكم، كنت قد حاولت أن أحبب زوجتي بالإسلام تمهيدا لإقناعها به فلم تستجب ليلا أعرف كم سأبقى أعيش في هذه البلاد بسبب أن عملي الدائم فيها، والسبب الثاني هو أن زوجتي لا تناسبها الحياة في بلادنا، أنا إذا انفصلت الآن عن زوجتي فإن الطفلة سوف تبقى معها هي، ولا أستطيع أن آخذها منها ولا بأية طريقة، زوجتي إنسانة مثقفة وصادقة وأمينة ووفية ومخلصة وتحب الطفلة كثيرا وتكرس كل وقتها لرعايتها وتعليمها والمشكلة الوحيدة هي عدم استجابتها للدين ولكنها لا تعارض أن أعلم ابنتي الإسلام أو أن أدفعها إليه، أنا أعيش في عذاب داخلي دائم وثمة أسئلة محددة أجهل إجاباتها، هل أنا ملزم حسب الشريعة الإسلامية بأن تصبح ابنتي مسلمة، وإن هي لم تصبح مسلمة بسبب تعنتها أو موتي مثلا، فهل سأدخل النار أو سأحاسب على ذلك، هل أنا علي صواب بدفع زوجتي لإجهاض الحمل وأن لا تحمل في المستقبل حتى لا تتكرر مشكلتي ويتضاعف ذنبي، علما بأنها ترغب بالإنجاب ثانية، في حال موتي إن لم يسمح العمر بأن أعلم ابنتي الإسلام وأن أهديها إليه أو إن هي أبت فهل هي ستدخل النار؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقولك أنك اكتشفت أن زوجتك النصرانية لا تمت إلى دينها بصلة وأنها ربما تكون ملحدة، نقول إن كانت هذه الزوجة تجاهر بالإلحاد وتنكر وجود الله سبحانه فلا يجوز البقاء معها لقول الله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ {البقرة:221}.

وأما إن لم تكن كذلك فتحمل على الأصل بأنها نصرانية وإن لم تلتزم بأحكام الدين النصراني لعموم قول الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ {المائدة:51}، قال الإمام الجصاص: جعل الله تعالى من يتولى قوما منهم في حكمهم، ولذلك قال ابن عباس في نصارى بني تغلب: إنهم لو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم لقول الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. وذلك حين قال علي رضي الله عنه: إنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر، قال ابن عباس ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين جاءه فقال له: أما تقول إلا أن يقال لا إله إلا الله؟ فقال: إن لي ديناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعلم به منك ألست ركوسيا؟ قال: نعم، قال: ألست تأخذ المرباع؟ قال: نعم، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك فنسبه إلى صنف من النصارى مع إخباره بأنه غير متمسك به بأخذه المرباع، وهو ربع الغنيمة، والغنيمة غير مباحة في دين النصارى.

وأما قولك بأنها في داخلها قد تكون لا تؤمن بوجوده سبحانه، فلا يمكن الحكم عليها بالإلحاد لمجرد ذلك حتى تصرح به أو يصدر منها فعل يدل يقيناً على الإلحاد، مثل الاستهزاء بالله تعالى أو سبه عياذاً بالله تعالى من ذلك ونحو ذلك من الأمور، وأما طلبك منها إسقاط الحمل فتقدم حكم الإجهاض في الفتوى رقم: 5920.

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز إسقاط النطفة قبل مضي أربعين يوماً، أما قولك هل أنا ملزم بأن تصبح ابنتي مسلمة فإنها مسلمة أولاً لانتسابها إلى أب مسلم، وثانياً: أنها لا تزال على الفطرة وهي الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. رواه البخاري.

فما عليك إلا أن تعلمها في هذه السن اللغة العربية، وتربيها على الانتساب لهذا الدين، وإذا بلغت السابعة من العمر تأمرها بالصلاة وتعلمها كيفية الصلاة والطهارة، وإذا بلغت العاشرة تلزمها بأداء الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود.

وتعودها على الصيام وهي في هذا السن، مع تعليمها آداب الإسلام وأخلاقه ومن ذلك ما يتعلق بلباس المسلمة (الحجاب)، وقبل ذلك ما يتعلق بالعقيدة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله إلخ، وما يحرمه الإسلام من المآكل كالخنزير ومن المشارب كالخمر وغير ذلك، فإذا بلغت سن (البلوغ) فتكون مكلفة مخاطبة بأوامر الشرع ونواهيه وليس عليك اتجاهها إلا النصح والإرشاد والدعوة، وهي مسؤولة أمام الله عن كل تصرفاتها، فإذا اختارت طريقاً غير الإسلام لا سمح الله، فلا تؤاخذ أنت على ذلك، وتكون قد برئت ذمتك، لقول الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني