السؤال
ما الجمع بين قول الله تعالى (هل يهلك إلا القوم الظالمون) سورة الأنعام، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ), حيث ظاهر الآية أنه عند نزول العذاب لا يهلك إلا القوم الظالمون, أما في الحديث ففيه التصريح بهلاك قوم ليسوا من الجيش الظالم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف، لأن العلماء قد نصوا في شرحهم للحديث المشار إليه أن سبب الخسف بكل الجيش بمن فيهم من ليس من أهل القتال كالباعة، هو أنهم كثروا سواد الظالمين، قال ابن حجر في فتح الباري: قال المهلب: في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختاراً أن العقوبة تلزمه معهم، قال: واستنبط منه مالك عقوبة من يجالس شربة الخمر وإن لم يشرب. ثم قال ابن حجر أيضاً: وفي هذا الحديث أن الأعمال تعتبر بنية العامل والتحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم وتكثير سوادهم.
ثم إن الهلاك في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ {الأنعام:47}، قد يشمل الهلاك بالعذاب في الدنيا وهلاك التعذيب يوم القيامة بسبب الشرك، قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: أي هل يهلك إلا أنتم لشرككم، والظلم هنا بمعنى الشرك كما قال لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وقال الألوسي في روح المعاني: وقيد الطبرسي وغيره الهلاك بهلاك التعذيب والسخط توجيهاً للحصر إذ قد يهلك غير الظالم لكن ذلك رحمة منه تعالى به ليجزيه الجزاء الأوفى على ابتلائه. وبهذا يتبين أن لا تعارض بين الآية والحديث، لأن الذين خسف بهم ممن ليس لهم نية غزو الكعبة لا يهلكون هلاك التعذيب يوم القيامة، فقد قال العيني في عمدة القاري: يبعثون على نياتهم: يعني من كان منهم مختاراً تقع المؤاخذة عليه، ومن كان مكرها ينجو.
والله أعلم.