الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)

السؤال

ما المراد في قوله تعالى( اختلافا كثيرا)في قوله تعالى أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا:فهل يفيد مفهوم المخالفة منه وهو اختلافا قليلا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمعنى قوله تعالى في هذه الآية (اخْتِلَافًا كَثِيرًا) أي تناقضا كثيرا، ففي تفسير البغوي: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا أي تفاوتا وتناقضا كثيرا قاله ابن عباس، وقيل: لوجدوا فيه أي في الإخبار عن الغيب بما كان وبما يكون اختلافا كثيرا أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا بعدم التناقض فيه صدق ما يخبر أنه كلام الله تعالى لأن ما لا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف.

وقال الشوكاني في فتح القدير: والمعنى أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفا غير مختلف صحيح المعاني قوي المباني بالغا في البلاغة إلى أعلى درجاتها، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي تفاوتا وتناقضا، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسور؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع، وهذا شأن كلام البشر لاسيما إذا طال وتعرض قائله للإخبار بالغيب فإنه لا يوجد منه صحيحا مطابقا للواقع إلا القليل النادر.

فالمراد من الآية أن كلام الله يخلو من التناقض والتضارب تماما، فلا اختلاف فيه على الإطلاق، وهذا المعنى قد دلت عليه آيات أخرى من القرآن الكريم، كقوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا {الزمر:23}.

قال ابن النحاس في معاني القرآن الكريم: قال قتادة: (متشابها) أي لا يختلف، قال أبو جعفر: والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحكمة والحق؛ كما قال جل وعز:وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرً.

وكقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا {الكهف: 1}.

قال الشوكاني في فتح القدير: قال الزجاج: المعنى في الآية لم يجعل فيه اختلافا؛ كما قال: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.

وأما كلام غير الله ففيه الكثير من التناقض والتضارب، وهذا لا يسلم منه كبار علماء البشر وفطاحلهم؛ كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لقد ألفت هذه الكتب ولم آل جهدا فيها ولا بد أن يوجد فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب أو السنة فقد رجعت عنه . قال العجلوني في كشف الخفاء: أخرجه عبده بن شاكر في مناقبه.

وقال بعضهم: كم من كتاب قد تصفحته رجاء في نفسي أني أصلحته حتى إذا طالعته ثانيا وجدت تصحيفا فصححته.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فما أعلم أحدا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة إلا ولا بد أن يتناقض، فيحيل ما أوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره، إذ كلامهم من عند غير الله، وقد قال الله تعالى : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني