الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع الأخ دار إخوته الأيتام

السؤال

أنا رجل أسكن في مدينة تمنراست الجزائرية ولي إخوة لأمي توفي أبوهم سنة 94 وكنت أسكن معهم ثم في السنة الموالية اشتريت دارا فانتقلت للسكن فيها، ثم بعد ذلك تحولت أمي للسكن معي بعد شيء وقع بينها وبين بعض الجيران الذين هم في نفس الوقت أقارب لإخوتي من جهة أبيهم فلما وقع ما وقع بينهم وبين أمي أخذت أبناءها وسكنت بهم معي فتعرضت دارهم لتخريب بسبب الهجران فطلبت مني أمي بيعها فبعتها بناء على رغبتها بمبلغ خمسين ألف دينار دفع لي المشتري بعضه في الحين وكان هذا البعض متمثلا في عروض ولا تزال هذه العروض موجودة عندهم إلى حد الآن فبعد هذه المدة هم الآن يطالبونني بأن اشتري لهم داراً كعوض عن دارهم التي بعتها بأمر من أمهم بل بلغ بهم الأمر إلى حد مطالبتي بأن أعطيهم داري التي أسكن فيها أنا وهم وأمنا طيلة هذه المدة أي عشر سنوات، فهل لهم علي من حق والحالة هذه والله على ما أقول شهيد، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه لا يجوز أن تُقرب أموال الأيتام إلا بما فيه مصلحتهم، كما قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ {الإسراء:34}، والتي هي أحسن هي الأكثر نفعاً لليتيم، كما قال أهل التفسير وذلك بكل وجه تكون فيه المنفعة لليتيم، وفي الحديث الشريف: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه.

وقد نص أهل العلم على أن الذي يجوز له التصرف في مال اليتيم، وخصوصاً بيع عقاره ولو كان خربا هو الوصي عليه، وإذا لم يكن أبوه أوصى فالقاضي الشرعي هو الذي يتولى ذلك، قال خليل بن إسحاق المالكي: والولي الأب وله البيع مطلقاً، وإن لم يذكر سببه، ثم وصيه، وإن بعد... ثم الحاكم...اهـ

وذكر البعض منهم أن حاضن الأيتام إذا جرى العرف بتصرفه في ممتلكاتهم يصير مثل الوصي.

ففي منح الجليل عند قول خليل: لا حاضن كجد... قال: فلا يبيع متاع محضونه مطلقاً، ولا يقاسم عنه إلا لشرط على أبيه أنه لا يحضنه إلا إذا جعله وصياً عليه أو عرف به، كعادة أهل البادية بترك أحدهم الوصية على أولاده اتكالا على قيام جدهم أو عمهم أو أخيهم الرشيد بشأنهم، فهو كإيصاء الأب من ذكر، نقله الطخيخي عن أبي محمد صالح، وبه أفتى أبو الحسن في آخر مسألة من نوازله، فقال: شأن أهل البادية تصرف الأكابر على الأصاغر يتركون الإيصاء اتكالا منهم بأنهم يفعلون بغير إيصاء، فالأخ الكبير مع الأصاغر في البادية يتنزل منزلة الوصي بهذا العرف على هذا درجوا. ثم نقل رواية ابن غانم عن مالك رضي الله تعالى عنهما بأن الكافل بمنزلة الوصي بدون هذا العرف، وذكر قول أبي محمد صالح هذه الرواية جيدة لأهل البوادي لأنهم يهملون الإيصاء. ابن هلال وبه أقول وأتقلد الفتيا به في بلدنا لأنها كالبادية. ويلخص هذه المسألة قول الناظم:

وكافل اليتيم عرفا كالوصي * نصا لأن العرف كالمنصص

وبناء على ما ذكر، نقول إن بيعك للدار التي ذكرت أنها تعرضت للخراب بسبب الهجران، إذا ثبت أنه هو المصلحة، فليس عليك فيه من إثم، وبالتالي فليس لهم عليك حق، غير أنه كان مما ينبغي لك قبل ما فعلته من التصرف في الدار المذكورة أن تعرض أمرها على المحكمة الشرعية في بلدك، ليكون ذلك أبرأ لذمتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني