الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض أهله زواجه ممن كان سبباً في إسلامها

السؤال

الأساتذة الكرام إني أواجه مشكلة ولا أعرف كيف حلها أو بمعنى أصح لا أجد من يدعمني ويساعدني.
في الحقيقة بدأت القصة عندما تعرفت على فتاة تعمل معي بالشركة، كانت علاقة عمل واحترام لا غير، وبعد شهر من عملي معها اكتشفت أنها على الدين المسيحي، ولها مني كل احترام، بعد ذلك قررت أن أكسب بها أجرًا وأدعوها إلى الإسلام عن طريق الترغيب بالله العظيم سبحانه، وعن طريق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الدنيا زائلة ولا تساوي عند الله جناح بعوضة.
في بداية الأمر واجهت صعوبة كبيرة، بحيث كانت لا تتكلم معي إذا جئت بسيرة الإسلام، لكن كنت أحس من اتجاهها أنه يوجد استلطاف، وبالفعل صدق حدسي، وقررت أن أستغل هذه النقطة لكي أوصلها إلى معنى الإسلام ومعنى الآخرة ومعنى الجنة، والحمد لله رب العالمين رب القلوب بدأت تتقبل الكلام، وبدأت تتساءل أكثر فأكثر، حتى طلبت منها أن تسلم، والحمد لله لبت النداء، وفي يوم اتصلت بي وقالت: ما هو المطلوب مني لكي أدخل الإسلام؟ فقلت لها أن تغتسل وتنطق الشهادتين، وبفضل من الله كل يوم أعطيها ما تيسر لي من علم الإسلام من وجوب طهارة وصلاة وستر عورة ومن الأمور الأساسية، لكني أواجه مشكلات عديدة منها:
أنها تخاف من أن يعرف أهلها، وتضعف أمامهم، وترجع عن دين الإسلام، وأنا أريد الزواج، لأني أحببتها، وخوفاً من أن ترتد، وأن أضمن وهي عندي عدم ارتدادها عن الإسلام، لكن أهلي غير متقبلين الفكرة، خوفاً من مشاكل العائلات. فما عليّ فعله إذا أهلي أصروا على رأيهم بعدم زواجي منها؟ وهل أعترض أم أقبل طاعتهم؟ وهل يجب على الفتاة أن تطيع أهلها أم تعترض وتصر على إسلامها؟
وأخيراً: أطلب منكم رفع المعنويات لدينا، لأني سوف أطلعها على ردكم، وما الأجر والثواب لي ولها؟ وشكراً جزيلاً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا على ما قمت به من دعوة هذه المرأة إلى الإسلام، ونسأل الله لك التوفيق, وهنيئاً لك اندراجك في قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله على يديك أو بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم. رواه البخاري ومسلم. وانظر الفتوى: 11441.

وهنيئاً لهذه المرأة الإسلام، فإن الإسلام يجب ما قبله من الذنوب، وانظر الفتوى: 18958.

وننبه إلى أن من أراد الدخول في الإسلام، فإنه لا يؤخر حتى يغتسل، بل يقدم الدخول في الإسلام والتلفظ بالشهادتين، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: ( فرع ) إذا أراد الكافر الإسلام فليبادر به ولا يؤخره للاغتسال، بل تجب المبادرة بالإسلام، ويحرم تحريما شديدا تأخيره للاغتسال وغيره، وكذا إذا استشار مسلما في ذلك حرم على المستشار تحريما غليظا أن يقول له أخره إلى الاغتسال, بل يلزمه أن يحثه على المبادرة بالإسلام. هذا هو الحق والصواب. وبه قال الجمهور. وحكى الغزالي رحمه الله في باب الجمعة وجها أنه يقدم الغسل على الإسلام ليسلم مغتسلا. قال: وهو بعيد, وهذا الوجه غلط ظاهر لا شك في بطلانه وخطأ فاحش, بل هو من الفواحش المنكرات, وكيف يجوز البقاء على أعظم المعاصي وأفحش الكبائر ورأس الموبقات وأقبح المهلكات لتحصيل غسل لا يحسب عبادة لعدم أهلية فاعله. وقد قال صاحب التتمة في باب الردة: لو رضي مسلم بكفر كافر، بأن طلب كافر منه أن يلقنه الإسلام فلم يفعل, أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو أخر عرض الإسلام عليه بلا عذر، صار مرتدا في جميع ذلك, لأنه اختار الكفر على الإسلام. وهذا الذي قاله إفراط أيضا, بل الصواب أن يقال: ارتكب معصية عظيمة.

وأما قول النسائي في سننه: باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم، واحتج بحديث أبي هريرة أن ثمامة انطلق فاغتسل ثم جاء فأسلم فليس بصحيح ولا دلالة فيما ذكره لما ادعاه. اهـ.

وعلى هذه الأخت أن تتمسك بالإسلام، ولو تعرضت لأشد البلاء، فإن نجاتها في الآخرة بهذا الدين، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ونذكرها بحال الصحابة الذين ابتلاهم الله تعالى بكفار قريش يعذبونهم ويسومونهم سوء العذاب، ويَمُرُّ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فيقولون له: ادع الله لنا، فيقول صلى الله عليه وسلم: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه, ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون. رواه البخاري عن خباب بن الأرت، ولقد كان بلال يوضع في بطحاء مكة وعلى ظهره وبطنه الحجارة الحارة فيقول: أحد أحد، وقتل خبيب ومزق إرباً إرباً، فما ثناه ذلك عن إيمانه، بل قال:

ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع

وانظر الفتوى: 64120.

ولا مانع أن تتزوج بهذه المرأة، ويتولى عقد نكاحها قاضي المسلمين، أو جماعتهم، أو واحد منهم، وأما عن طاعة الوالدين في ترك الزواج بامرأة معينة فسبق في الفتوى: 71134، ولكن إذا ترتب على ترك الزواج بهذه المرأة أن تعود في الكفر بسبب ضغوط الأسرة ونحو ذلك، فمصلحة إعانة هذه المرأة على الثبات على الدين مقدمة على مخالفة رأي الوالدين في ترك الزواج بها، ثم تسعى بعد ذلك في إرضائهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني