السؤال
ما الحكمة الربانية من قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض ) عقب أمرة تعالى للمؤمنين بغض أبصارهم ؟
وجزاكم الله خيرا .
ما الحكمة الربانية من قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض ) عقب أمرة تعالى للمؤمنين بغض أبصارهم ؟
وجزاكم الله خيرا .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل من حكم التعقيب بهذه الآية العظيمة : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {النور: 35 } على الأمر بغض البصر وغيره من التعاليم والتوجيهات في بداية السورة هو تهيئة النفوس وتطهيرها وتخليتها من الذنوب والمعاصي, وتزكيتها وتطهيرها بتلك التعاليم الربانية حتى تكون على استعداد لتلقي نور الله العظيم الذي أشرقت له ظلمات الكون ، فبداية السورة كلها أحكام وتوجيهات وعلاج للنفس البشرية من هواها وشهواتها, ووقاية وتحذير لها من الوقوع في حبائل الشيطان أو اتباع خطواته ونزغاته ، قال أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .... مسوق لتقرير ما في السورة من البيان مع الإشعار بكونه غاية في الكمال ، أو لتحقيق أن بيانه تعالى ليس مقصورا على ما ورد في هذه السورة الكريمة, بل هو شامل لكل ما يحق بيانه من الأحكام والشرائع ومبادئها وغاياتها المترتبة عليها في الدنيا والآخرة وغير ذلك مما له مدخل في البيان ، وأنه واقع منه تعالى على أتم الوجوه وأكملها حيث عبر عنه بالتنوير الذي هو أقوى مراتب البيان وأجلاها, وعبر عن النور بنفس النور تنبيها على قوة التنوير وشدة التأثير ، وإيذانا بأنه تعالى ظاهر بذاته وكل ما سواه ظاهر بإظهاره له كما أن النور نير بذاته وما عداه مستنير به. اهـ
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: بعد التشريعات والأحكام والهداية الخاصة التي نزلت بها السورة أتبع ذلك بالامتنان بأن الله تعالى هو مكون أصول الهداية العامة والمعارف الحق للناس كلهم بإرسال رسوله بالهدى ودين الحق, مع ما في هذه الامتنان من الإعلام بعظمة الله تعالى ومجده وعموم علمه وقدرته, فكان قوله تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. كلمة جامعة لمعاني جمة تتبع معاني النور في إطلاقه في الكلام ، وموقع الجملة عجيب من عدة جهات ، وانتقال من بيان الأحكام إلى غرض آخر من أغراض الإرشاد وأفانين الموعظة والبرهان. اهـ منه بتصرف .
وقال سيد قطب في تفسير الظلال مقدما لتفسير قول الله تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .... في الدرسين الماضيين من السورة عالج السياق أغلظ ما في الكيان البشري ليرققه ويطهره ويرتفع به إلى آفاق النور ، فقد عالج عرامة اللحم والدم ، وعالج شهوة العين والفرج ، ورغبة التجريح والتشهير ودفعة الغضب والغيظ, وعالج الفاحشة أن تشيع في الذين آمنوا ، عالجها بتشديد حد الزنا والقذف ، وعالجها بالوسائل الوقائية بالاستئذان على البيوت وغض البصر وإخفاء الزينة, والنهي عن مثيرات الفتنة وموقظات الشهوة ، ثم بالإحصان والزواج ، ومنع البغاء وتحرير الأرقاء ، كل ذلك ليقطع الطريق على دوافع الشهوات والهوى ويهيئ للنفوس وسائل العفة والاستعلاء والشفافية والاشراق ، بهذا التعليم وهذا التهذيب والتوجيه عالج القرآن الكريم الكيان البشري حتى أشرق بالنور وتطلع إلى الأفق الوضيء واستشراق النور الكبير في آفاق السماوات والأرض )
هذا بعض ما ذكره أهل التفسير من الربط والصلة بين قول الله تعالى : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وبين ما ذكر قبلها في السورة من تعاليم وأوامر وإرشادات .
والله أعلم .
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني