السؤال
أنا شاب عمري 26 عاماً أردت الزواج من فتاة كنت أعرفها منذ أيام الدراسة وأحسبها من المتقين حيث إنها تحفظ القرآن وتحافظ على حدود الله، ومشكلتي مع أهلي لأنهم يرفضون بحجة أني غير قادر حالياً على الزواج وذلك بالنسبة للسن وتكاليف الزواج وأنه يجب أن أكون على أكمل وجه وأن ويكون لي شقة تمليك وليس إيجار وأن يكون لدي من المال ما أستطيع به بدء مشوار الحياة بقوة، مع العلم بأني بالقياس مع من هم في نفس سني أعتبر أحسن حالاً، كما أنهم يقولون لا داعي للتعجل في الزواج لأنه أمر خطير، علماً بأنهم ليس لديهم اعتراض على شخص الفتاة بغض النظر عن ناحية الشكل، لذا أرجو أن تكتب لي ما يمكنني عرضه على أبي لعله يقتنع ويوافق ويكون في ذلك سبباً لموافقه أهلي، مع العلم بأني لا أريد أن أكون عاقاً لوالدي وأن أتزوج بدون رضاهم؟ جزاكم الله عنا خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من استطاع الباءة وهي القدرة المادية والبدنية على الزواج، وكان محتاجاً إليه، فإنه يستحب له الزواج، وأما إذا خشي الفتنة والوقوع في الحرام فإنه يجب حينئذ، وحيث وجب كان تركه معصية لله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، ولو كان والداً.
أما وصيتنا للوالدين فهي أن يكونا عونا لولدهم على الزواج، فإن في الزواج صيانة للنفس من التطلع إلى الحرام والوقوع في ما يغضب الله تعالى، وفيه راحة وسكن وطمأنينة، وليس في الزواج المبكر مشكلة على دراسة الشاب ومستقبله، بل على العكس الزواج عامل مساعد، والواقع يشهد بذلك، ثم إن زواج ابن ستة وعشرين سنة ليس مبكراً، فالمبكر ما كان قريباً من البلوغ، كما نذكر والدي السائل إذا كان العامل المادي هو المانع لهم من تزويج ابنهم، فإن الله عز وجل وعد من يسعى في إعفاف نفسه بأن يغنيه من فضله، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}، وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي والإمام أحمد في المسند وغيرهما.
أما الأخ السائل فنقول له: حتى ييسر الله لك النكاح عليك بلزوم العفة، لقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ {النور:33}، قال القرطبي: ومعناه طلب أن يكون عفيفاً، فأمر الله تعالى بهذه الآية كل من تعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه أن يستعفف. انتهى.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: أمر كل من تعلق به الأمر بالإنكاح بأن يلازموا العفاف في مدة انتظارهم تيسير النكاح لهم... والسين والتاء للمبالغة في الفعل أي وليعف الذين لا يجدون نكاحاً. ووجه دلالته على المبالغة أنه في الأصل استعارة، وجعل طلب الفعل بمنزلة طلب السعي فيه ليدل على بذل الوسع. انتهى.
وفي الحديث: من يستعفف يعفه الله. رواه البخاري. ومن السعي في طلب العفاف: الصيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. متفق عليه. ومن ذلك شغل الوقت في المفيد وعدم التفكير في النكاح، لأن الفكر يتبعه الهم، ويتبع الهم العزم، ويتبع العزم الإرادة، ثم الفعل كما قال العلماء.
والله أعلم.