السؤال
سيدي... إن العادة السرية أو ما تسمى الاستمناء أمر موجود منذ الجاهلية وبذلك يكون نبينا صلى الله عليه وسلم على علم به فما الحكمة فى أن يترك هذا الأمر دون التحدث عنه بالحرمة أو الكراهة، فنحن تعودنا البحث في الأمور التي جدت كالتدخين مثلا ونقيسها على ما يعادلها حتى نصل إلى حكم بين فيها.... وقد قرأت فى كتب الفقة فأجد الفقهاء يتحدثون عن الزنا واللواط والسحاق حتى معاشرة البهائم وفي النهاية يتركون هذا الأمر دون بحث وبعض العلماء يستدلون بالآية (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)، فمن البديهي أن وراء ذلك يتمثل في الأمور التي تناولها الشارع التحريم، أما الأمر الذي لم يرد تحريمة صراحا فكيف أحرمة دون ورود نص.... وإذا أردنا القياس فعلى أي شيء نقيس على الزنا أم على اللواط أم السحاق أم معاشرة البهائم، فإذا كان الأمر يحتاج قياسا فعلى أي شيء نقيس؟ وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاستمناء قد كان موجوداً عند العرب، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه حديث صريح، وإن نقلت بعض الآثار ويستدل بها بعضهم، لكن فيها مقال، قال الألوسي: ومن الناس من استدل على تحريمه بشيء آخر نحو ما ذكره المشايخ من قوله صلى الله عليه وسلم: ناكح اليد ملعون. وعن سعيد بن جبير: عذب الله تعالى أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. وعن عطاء: سمعت قوماً يحشرون وأيديهم حبالى وأظن أنهم الذين يستمنون بأيديهم. والله تعالى أعلم. انتهى، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 21088.
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: المسألة الثالثة: اعلم أنه لا شك في أن آية {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} هذه التي هي {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}، تدل بعمومها على منع الاستمناء باليد المعروف، بـ( جلد عميرة)، ويقال له الخضخضة، لأن من تلذذ بيده حتى أنزل منيه بذلك، قد ابتغى وراء ما أحله الله، فهو من العادين بنص هذه الآية الكريمة المذكورة هنا وفي سورة سأل سائل. وقد ذكر ابن كثير: أن الشافعي ومن تبعه استدلوا بهذه الآية على منع الاستمناء باليد، وقال القرطبي: قال محمد بن عبد الحكم: سمعت حرملة بن عبد العزيز، قال: سألت مالكاً عن الرجل يجلد عميرة فتلا هذه الآية {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} إلى قوله {الْعَادُونَ}.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن استدلال مالك والشافعي وغيرهما من أهل العلم بهذه الآية الكريمة على منع جلد عميرة الذي هو الاستمناء باليد استدلال صحيح بكتاب الله، يدل عليه ظاهر القرآن، ولم يرد شيء يعارضه من كتاب ولا سنة، وما روي عن الإمام أحمد مع علمه وجلالته وورعه من إباحة جلد عميرة مستدلا على ذلك بالقياس قائلاً: هو إخراج فضله من البدن تدعو الضرورة إلى إخراجها فجاز، قياساً على الفصد والحجامة...فهو خلاف الصواب، وإن كان قائله في المنزلة المعروفة التي هو بها، لأنه قياس يخالف ظاهر عموم القرآن، والقياس إن كان كذلك رد بالقادح المسمى فساد الاعتبار، فالله جل وعلا قال {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}، ولم يستثن من ذلك البتة إلا النوعين المذكورين، في قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}، وصرح برفع الملامة في عدم حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة فقط، ثم جاء بصيغة عامة شاملة لغير النوعين المذكورين، دالة على المنع هي قوله {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وهذ العموم لا شك أنه يتناول بظاهره ناكح يده، وظاهر عموم القرآن لا يجوز العدول عنه، إلا لدليل من كتاب أو سنة يجب الرجوع إليه. انتهى.
وقال الألوسي: وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله، ولا يخفى أن كل ما يدخل في العموم تفيد الآية حرمة فعله على أبلغ وجه، ونظير ذلك إفادة قوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} حرمة فعل الزنا فافهم. انتهى.
هذا هو ما استدل به في تحريم تلك الفعلة، ولا قياس وإنما هي داخلة في عموم تلك الآية، وأما سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فربما كان للاكتفاء بدلالة القرآن، ثم قد وردت آثار عنه في حرمتها وإن كانت ضعيفة، لكن ظاهر الكتاب يعضدها، قال الشيخ الأمين رحمه الله بعدما ساق أحدها: ولكنه على ضعفه يشهد له في نكاح اليد ظاهر القرآن في الجملة، لدلالته على منع ذلك.
ويؤكد حرمتها ما فيها من الأضرار الصحية والمعنوية على فاعلها، كما أثبتت ذلك الدراسات الحديثة التي أقيمت لها، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 21512 وما أحيل إليه من فتاوى خلالها، وهذه المسألة لم يغفلها العلماء، بل بحثوها بأدلتها في مظانها ومنها هذه الآية فارجع إلى كلامهم هناك لتقف على ما يشفي عليك ويبرد غليلك.
والله أعلم.