وأما المنقطع فلا يخصص به نحو : جاءني القوم إلا حمارا ، فالمتصل ما كان اللفظ الأول منه يتناول الثاني ، والمنقطع ما كان اللفظ الأول منه لا يتناول الثاني ، وفي معنى هذا ما قيل : إن المتصل ما كان الثاني جزءا من الأول ، والمنقطع ما لا يكون الثاني جزءا من الأول .
قال ابن السراج : ولا بد في المنقطع من أن يكون الكلام الذي قبل ( إلا ) قد دل على ما يستثنى منه .
قال ابن مالك : لا بد فيه من تقدير الدخول في الأول ، كقولك : قام القوم إلا [ ص: 418 ] حمارا ، فإنه لما ذكر القوم تبادر الذهن إلى أتباعهم المألوفة ، فذكر الحمار في الاستثناء لذلك ، فهو مستثنى تقديرا .
قال : يجوز الاستثناء من غير الجنس ، ولكن بشرط أن يتوهم دخوله في المستثنى منه بوجه ما ، وإلا لم يجز كقوله : أبو بكر الصيرفي
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير ، وإلا العيس
فاليعافير قد تؤانس ، فكأنه قال ليس بها من يؤانس به إلا هذا النوع .وقد اختلف في الاستثناء المنقطع ، هل وقع في اللغة أم لا ؟ فقال الزركشي : من أهل اللغة من أنكره ، وأوله تأويلا رده به إلى الجنس ، وحينئذ فلا خلاف في المعنى ، وقال العضد في شرحه لمختصر المنتهى : لا نعرف خلافا في صحته لغة .
واختلفوا أيضا : هل وقع في القرآن أم لا ؟ فأنكر بعضهم وقوعه فيه ، وقال ابن عطية : لا ينكر وقوعه في القرآن إلا أعجمي .
واختلفوا أيضا : هل هو حقيقة أم مجاز على مذاهب :
[ ص: 419 ] المذهب الأول : أنه حقيقة ، واختاره القاضي ، ونقله أبو بكر الباقلاني ابن الخباز عن . ابن جني
قال الإمام الرازي : وهو ظاهر كلام النحويين ، وعلى هذا فإطلاق لفظ الاستثناء على المستثنى المتصل والمنقطع هو بالاشتراك اللفظي .
المذهب الثاني : أنه مجاز ، وبه قال الجمهور ، قالوا : لأنه ليس فيه معنى الاستثناء ، وليس في اللغة ما يدل على تسميته بذلك .
المذهب الثالث : أنه لا يسمى استثناء ، لا حقيقة ولا مجازا ، حكاه القاضي في التقريب ، والماوردي ، وقال : الخلاف لفظي .
قال الزركشي بل هو معنوي ، فإن من جعله حقيقة جوز التخصيص به ، وإلا فلا .
ثم بعد الاختلاف في كونه حقيقة أو مجازا ، اختلفوا في حده ، ولا يتعلق بذلك كبير فائدة ، فقد عرفت أنه لا يخصص به ، وبحثنا إنما هو في التخصيص ، ولا يخصص إلا بالمتصل فلنقتصر على الكلام المتعلق به .