الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        المسألة السادسة : لا خلاف في جواز الاستثناء من الجنس ، كقام القوم إلا زيدا ، وهو المتصل ، ولا تخصيص إلا به .

                        وأما المنقطع فلا يخصص به نحو : جاءني القوم إلا حمارا ، فالمتصل ما كان اللفظ الأول منه يتناول الثاني ، والمنقطع ما كان اللفظ الأول منه لا يتناول الثاني ، وفي معنى هذا ما قيل : إن المتصل ما كان الثاني جزءا من الأول ، والمنقطع ما لا يكون الثاني جزءا من الأول .

                        قال ابن السراج : ولا بد في المنقطع من أن يكون الكلام الذي قبل ( إلا ) قد دل على ما يستثنى منه .

                        قال ابن مالك : لا بد فيه من تقدير الدخول في الأول ، كقولك : قام القوم إلا [ ص: 418 ] حمارا ، فإنه لما ذكر القوم تبادر الذهن إلى أتباعهم المألوفة ، فذكر الحمار في الاستثناء لذلك ، فهو مستثنى تقديرا .

                        قال أبو بكر الصيرفي : يجوز الاستثناء من غير الجنس ، ولكن بشرط أن يتوهم دخوله في المستثنى منه بوجه ما ، وإلا لم يجز كقوله :


                        وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير ، وإلا العيس

                        فاليعافير قد تؤانس ، فكأنه قال ليس بها من يؤانس به إلا هذا النوع .

                        وقد اختلف في الاستثناء المنقطع ، هل وقع في اللغة أم لا ؟ فقال الزركشي : من أهل اللغة من أنكره ، وأوله تأويلا رده به إلى الجنس ، وحينئذ فلا خلاف في المعنى ، وقال العضد في شرحه لمختصر المنتهى : لا نعرف خلافا في صحته لغة .

                        واختلفوا أيضا : هل وقع في القرآن أم لا ؟ فأنكر بعضهم وقوعه فيه ، وقال ابن عطية : لا ينكر وقوعه في القرآن إلا أعجمي .

                        واختلفوا أيضا : هل هو حقيقة أم مجاز على مذاهب :

                        [ ص: 419 ] المذهب الأول : أنه حقيقة ، واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني ، ونقله ابن الخباز عن ابن جني .

                        قال الإمام الرازي : وهو ظاهر كلام النحويين ، وعلى هذا فإطلاق لفظ الاستثناء على المستثنى المتصل والمنقطع هو بالاشتراك اللفظي .

                        المذهب الثاني : أنه مجاز ، وبه قال الجمهور ، قالوا : لأنه ليس فيه معنى الاستثناء ، وليس في اللغة ما يدل على تسميته بذلك .

                        المذهب الثالث : أنه لا يسمى استثناء ، لا حقيقة ولا مجازا ، حكاه القاضي في التقريب ، والماوردي ، وقال : الخلاف لفظي .

                        قال الزركشي بل هو معنوي ، فإن من جعله حقيقة جوز التخصيص به ، وإلا فلا .

                        ثم بعد الاختلاف في كونه حقيقة أو مجازا ، اختلفوا في حده ، ولا يتعلق بذلك كبير فائدة ، فقد عرفت أنه لا يخصص به ، وبحثنا إنما هو في التخصيص ، ولا يخصص إلا بالمتصل فلنقتصر على الكلام المتعلق به .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية