قال: "ثم إن الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة" بعث قال حدثني ابن شهاب: عن عروة بن الزبير، عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها [ ص: 142 ] قالت: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
قال وحدثني مثل ذلك ابن شهاب: وكان فيما بلغنا سعيد بن المسيب أول ما رأى أن الله عز وجل أراه رؤيا في المنام، فشق ذلك عليه، فذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأته فعصمها الله عز وجل من التكذيب، وشرح صدرها بالتصديق، فقالت: أبشر فإن الله عز وجل لن يصنع بك إلا خيرا، ثم إنه خرج من عندها , ثم رجع إليها فأخبرها أنه رأى بطنه شق، ثم طهر وغسل، ثم أعيد كما كان. خديجة بنت خويلد بن أسد
قالت: هذا والله خير فأبشر، ثم استعلن له جبريل عليه السلام وهو بأعلى مكة فأجلسه على مجلس كريم معجب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك فيه الياقوت واللؤلؤ" فبشره برسالة الله عز وجل حتى اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له جبريل عليه السلام، اقرأ.
فقال "كيف أقرأ" قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ويزعم ناس أن يا أيها المدثر أول سورة أنزلت عليه , والله أعلم.
[ ص: 143 ] قال ابن شهاب: وكانت خديجة قال: وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة ربه عز وجل واتبع الذي جاءه به أول من آمن بالله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تفرض الصلاة جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل، فلما قبل الذي جاءه من عند الله تعالى وانصرف منقلبا إلى بيته جعل لا يمر على شجرة ولا صخر إلا سلم عليه، فرجع مسرورا إلى أهله موقنا قد رأى أمرا عظيما، فلما دخل على خديجة قال أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل عليه السلام استعلن لي، أرسله إلي ربي فأخبرها بالذي جاءه من الله عز وجل وما سمع منه , فقالت: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا، فاقبل الذي جاءك من عند الله عز وجل فإنه حق، وأبشر فإنك رسول الله حقا.
ثم انطلقت مكانها حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس نصرانيا من أهل نينوى يقال له عداس، فقالت: له يا عداس أذكرك بالله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل.
فقال عداس: قدوس قدوس، ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل الأوثان أخبرني بعلمك فيه قال: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين وهو صاحب موسى وعيسى، عليهما السلام ، [ ص: 144 ] فرجعت خديجة من عنده فجاءت ورقة بن نوفل، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان، هو وزيد بن عمرو بن نفيل، وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه الله عز وجل من الدم والذبيحة على النصب، ومن أبواب الظلم في الجاهلية، فعمد هو وورقة بن نوفل يلتمسان العلم حتى وقفا بالشام فعرضت اليهود عليهما دينهم فكرهاه وسألا رهبان النصرانية، فأما ورقة فتنصر وأما زيد فكره النصرانية، فقال له قائل من الرهبان: إنك تلتمس دينا ليس يوجد اليوم في الأرض فقال له زيد: أي دين ذلك؟ قال القائل: دين القيم دين إبراهيم خليل الرحمن.
قال: وما كان من دينه؟ قال: كان حنيفا مسلما، فلما وصف له دين إبراهيم عليه السلام قال زيد: أنا على دين إبراهيم، وأنا ساجد نحو الكعبة التي بنى إبراهيم، فسجد نحو الكعبة في الجاهلية.
فقال زيد لما تبين له الهدى:
أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن يحملن عذبا زلالا
ثم توفي زيد وبقي ورقة بعده كما يزعمون سنتين فقال ورقة بن نوفل، وهو يبكي زيد بن عمرو بن نفيل:رشدت وأنعمت ابن عمرو، وإنما تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله وتركك جنان الجبال كما هيا
[ ص: 145 ] تقول إذا جاوزت أرضا مخوفة باسم الإله بالغداة وساريا
تقول إذا صليت في كل مسجد حنانيك لا تظهر علي الأعاديا
فمات ورقة" وقد ذكر عن ابن لهيعة أبي الأسود عن هذه القصة بنحو من هذا وزاد فيها: ففتح عروة بن الزبير جبريل عليه السلام عينا من ماء فتوضأ - ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر إليه - فوضأ وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح رأسه ورجليه إلى الكعبين , ثم نضح فرجه وسجد سجدتين مواجهة البيت، ففعل محمد كما رأى جبريل يفعل.