وقد ذكرنا إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الغراب في الحرم والإحرام ،  ولم يذكر في تلك الأحاديث التي روينا في ذلك ، أي غراب هو ؟ غير انا وجدنا عن  سعيد بن المسيب ،  عن  عائشة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصد في ذلك إلى الغراب الأبقع . 
 [ ص: 61 ]  1242  - حدثنا محمد بن خزيمة ،  قال حدثنا  مسلم بن إبراهيم الأزدي ،  قال حدثنا  شعبة ،  عن  قتادة ،  عن  ابن المسيب ،  عن  عائشة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خمس من الدواب يقتلهن المحرم ؛ الغراب الأبقع ، والحدأ ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور .  
فكان هذا الحديث زائدا على ما سواه من الأحاديث التي رويناها في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الطي ، ومخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد من الغربان الأبقع منها خاصة ، لا ما سواه منها ، إذ كان الأبقع منها هو الذي يفعل ما فيه الضرر على بني آدم في طعامهم ، وفيما سوى ذلك من مصالحهم كما تفعل الحدأ ، وكان ما سوى الأبقع منها ، وهو الذي يسمى واحده الزاع ، لا يفعل من ذلك شيئا . 
وكذا كان  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد  يقولون في المباح قتله من الغربان في هذا الحديث ، أنه الأبقع منها خاصة ، لا ما سواه منها . 
وقد اختلف أهل العلم ، ممن يذهب إلى تحريم قتل السباع في الإحراء في المحرم يبتدئه السبع فيقتله ،  فكان  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد ،  فيما حدثنا محمد بن العباس ،  عن  علي بن معبد ،  عن محمد ،  عن  أبي يوسف ،  عن  أبي حنيفة ،  وعن محمد ،  عن  أبي يوسف ،  وعن علي  عن محمد ،  يقولون لا شيء عليه في قتله إياه وكانوا يقولون : إن قتله المحرم ابتداء منه إياه فعليه قيمته ، ولا يجاوز بها دم . 
وذكر لنا محمد بن العباس ،  عن يحيى بن سليمان ،  عن  الحسن بن زياد  ، عن  زفر  ، أنه قال : عليه الجزاء في الوجهين جميعا . 
ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، وهل تسقط الكفارات عن المحرمين في قتل الصيد بالضرورات كما قال  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد  أم لا ؟ فرأينا  [ ص: 62 ] الله عز وجل قد حرم على المحرم حلق الرأس ، ثم أباحه في الضرورة ، وجعل عليه مع ذلك الكفارة التي ذكرها في كتابه بقوله عز وجل : ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك   ) وأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة الأنصاري ،  وخيره فيها بين أصنافها المسماة فيها وسنذكر ذلك في مواضعه في كتابنا هذا إن شاء الله . 
فكان في هذه الضرورة التي أبيح للمحرم من أجلها حلق الرأس الذي كان محرما عليه قبلها ، سقوط الإثم عنه بالضرورة ، لا سقوط الكفارة ، فكان القياس على ذلك أن يكون كذلك سائر ما حرم على المحرم في إحرامه ، وأبيح له لضرورة حدثت أن تكون تلك الضرورة ترفع الإثم عنه ، ولا تسقط عنه الكفارة ، فثبت بذلك ما قال زفر ،  وانتفى به ما قال  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد .  
وحجة أخرى في ذلك يجب بها ما قال  زفر  في هذا الباب ، وهي إنا وجدناهم لا يختلفون في المحرم ينقلب في نومه على صيد فيقتله : إن عليه الجزاء ، والآثام ساقطة عنه فيما أصاب في نومه ، والقلم مرفوع عنه فيه ، ولم يرفع ذلك عنه الجزاء ، بل جعل فيما أصاب من ذلك في نومه في حكم ما أصابه منه في يقظته ، فالقياس على ذلك أن يكون كل من أصاب شيئا على حال الضرورة وهو في إحرام أو في حرم ، أن يكون في وجوب الكفارة عليه في ذلك في حكمه لو أصابه على غير ضرورة ، وأن تكون الضرورات ترفع الآثام ، ولا تسقط الكفارات . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					