الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                30 - الزكاة واجبة بقدرة ميسرة فتسقط بهلاك المال بعد الحول . وصدقة الفطر وجبت بقدرة ممكنة ، [ ص: 60 - 61 ] فلو افتقر بعد يوم العيد لم تسقط

                التالي السابق


                ( 30 ) قوله : الزكاة واجبة بقدرة ميسرة إلخ . اعلم أن القدرة التي يحصل بها التمكن للعبد من أداء المأمور به نوعان لأن التمكن الذي يعتبر فيها إما أن يعتبر معه اليسر أو لا فإن لم يعتبر فهو المطلق ويسمى القدرة الممكنة لكونه وسيلة إلى مجرد التمكن والاقتدار على الفعل من غير اعتبار يسر ، وذلك كالزاد والراحلة في الحج والنصاب في صدقة الفطر وإن اعتبر معه اليسر فهو الكامل ويسمي القدرة الميسرة كالنماء في الزكاة . أما المطلق فهو أدنى ما يتمكن به المأمور من أداء ما لزمه بدنيا كان أو ماليا أو مركبا منهما كالحج ، والشرط توهمه لا حقيقته ، أي شرط وجوب الأداء توهم ما يتمكن به من الأداء لا القدرة المحققة للوجود وهي التي تكون مع الأداء لا القدرة المحققة قبله ولا بعده ; وبيانه أن القدرة على ضربين : محققة وهي التي يصير الفعل بها محققا وهي غير شرط لوجوب الأداء لأنها لا توجد بدون الفعل والتكليف قبله ومتوهمة وهي كونه بحيث لو عزم على الفعل لوجده بالقدرة المتوهمة بها ، وهي أيضا على قسمين : ما يكون غالب الوجود ظاهر التحقق ويظهر أثر هذه القدرة الحقيقة .

                ولا شك أن هذه إنما تتحقق لو سلمت الآلات وصحت الأسباب فلذا فسرت القدرة المتوهمة بها ، وهي أيضا على قسمين : ما يكون غالب الوجود ظاهر التحقق ويظهر أثر هذه القدرة في لزوم الأداء بعينه على معنى أنه يأثم بترك الأداء ، [ ص: 60 ] كالكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ والحائض إذا طهرت يجب الأداء عليهم ويستحقون الإثم بترك الأداء وما يكون الفعل به في حيز الجواز عقلا وإن كان من النوادر عادة وحسا ، ويظهر أثر هذه القدرة في لزوم الأداء لخلفه الذي وهم القضاء لا بعينه كما في الصورة المذكورة إذا كان في الوقت ضيق بحيث لا يسع فيه إلا قدر التحريمة ، كان الأداء واجبا عليهم لا لذاته بل لخلفه وهو القضاء لوجود توهم القدرة على الأداء بحصول الامتداد في الوقت بوقوف الشمس إذ هي في حيز الجواز عقلا ، ولذا وقع لسليمان عليه السلام . والحاصل أن القدرة المتوهمة شرط لوجوب الأداء فأحد قسميها للزوم الأداء بعينه والآخر للزوم الأداء بخلفه وهو القضاء ، وأما الكامل وهو القدرة الميسرة للأداء فهو ما يوجب يسر الأداء على العبد كالنماء في نصاب الزكاة وفرق ما بين القدرتين أن الأول شرط محض ليس فيها معنى العلة والثانية شرط في معنى العلة ; أما الأول فلأن اشتراط القدرة الممكنة ليس إلا للتمكن من الفعل ولا يمكن إثبات الواجب بدونه فهو لا يغير صفة الواجب فلا يوجد فيها معنى العلة فكانت شرطا محضا فلم يشترط بقاؤها لبقاء الواجب ، إذا البقاء غير الوجود وشرط الوجود لا يلزم أن يكون شرط البقاء كالشهود في النكاح شرط الانعقاد دون البقاء .

                وأما الثاني فلأنها لما اعتبرت للتيسر أمكن إثبات الواجب بدون تلك الصفة مع صفة العسر فإذا اشترط فكأنها غيرت صفة الواجب عن العسر إلى اليسر فكانت في معنى العلة لتأثيرها فيها فاشترط دوامها لدوام الواجب لا لمعنى الشرطية لكن لمعنى العلية لأن هذه مما لا يمكن بقاء الحكم بدونها إذ لا يتصور اليسر بدون القدرة الميسرة ، والواجب بدون صفة اليسر لأنه لم يشرع إلا بتلك الصفة فلهذا اشترط بقاء القدرة الميسرة دون الممكنة لبقاء الواجب ، مع أن الظاهر يقتضي العكس إذا الفعل لا يتصور بدون الإمكان ويتصور بدون اليسر ويتفرغ على ما ذكر من الفرق بين القدرتين أن الزكاة تسقط بهلاك النصاب ولو بعد التمكن من أدائها لأنها وجبت بصفة اليسر بدونه لاشتراط النماء في وجوبها تحقيقا أو تقديرا لئلا ينتقص به أصل المال مع التمكن من أدائها ، ولا يجاب القليل من الكثير لا يقال ينبغي أن لا يجب الضمان في صورة الاستهلاك أيضا لأن اشتراط بقائها إنما كان نظرا للمكلف وتيسيرا عليه ، فبالتعدي قد خرج عن استحقاق [ ص: 61 ] النظر له أو يجعل القدرة الميسرة هنا باقية تقديرا نظرا للفقير وزجرا على المتعدي وردا لما قصده من إسقاط الواجب عن نفسه ويتفرع على ما ذكر من الفرق بين القدرتين عدم وجوب الحج بفوات ملك الزاد والراحلة ، وعدم سقوط صدقة الفطر بهلاك النصاب لا ، فهما يجبان بقدرة ممكنة .

                أما الحج فلأن الاستطاعة التي هي شرط لا تحصل للنائي عن الكعبة إلا بالزاد والراحلة على ما هو المعتاد إذ بدونهما يتحقق الهلاك غالبا فاشتراطها للتمكن من السفر لا للتيسر ، إذ اليسر لا يحصل إلا بمراكب وأعوان وخدم وليست شرطا بالإجماع ، وأما صدقة الفطر فلعدم اشتراط النماء في النصاب حتى تجب بثياب البذلة والمحنة ولا يشترط حولان الحول . واليسر لا يتحقق إلا بالمال النامي كذا في المرآة شرح المرقاة . ( 31 ) قوله : فلو افتقر بعد يوم العيد لم تسقط إلخ . هذا هو الراجح ومن ثم اقتصر المصنف عليه . قال في جامع المضمرات : وإن أخروها عن يوم الفطر . والأصح ما قلنا لأن هذه صدقة مالية لا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء وإن طالت المدة . كالزكاة بخلاف الأضحية لأنها تكون قربة في زمان مخصوص . وأما التصدق بالمال فهو قربة في الأماكن أجمع ( انتهى ) .

                ومراده بالزكاة المشبه بها ما دام المال باقيا كما هو ظاهر فتسقط بهلاك المال بعد الحول ; يعني سواء تمكن من الأداء أو لا . وقال الشافعي : إذا تمكن من الأداء بعد الحول ولم يؤد ضمن ، لتقرر الوجوب عليه بالتمكن فلم يبرأ بعجزه بعده كما في ديون العباد وصدقة الفطر والحج ، كمن لم يصل حتى فات الوقت . ولنا أن الشرع علق الوجوب بقدرة ميسرة وكل ما علق بقدرة ميسرة لا يبقى بدونها




                الخدمات العلمية