[ ص: 1364 ] 263 - فصل
[ ] . طريق ثالث في نقضهم العهد
وسلك القاضي أبو الحسين طريقا ثالثة في نواقض العهد فقال : أما الثمانية التي فيها ضرر على المسلمين وآحادهم في مال أو نفس فإنها تنقض العهد في أصح الروايتين .
وأما ما فيه إدخال غضاضة ونقص على الإسلام - وهو ذكر الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي - فإنه ينقض العهد ، نص عليه ولم يخرج في هذا رواية أخرى كما ذكر أولئك .
وهذا أقرب من تلك الطريقة ، وعلى الرواية التي تقول : " لا ينتقض العهد بذلك " فإنما ذلك إذا لم يكن مشروطا عليهم في العهد .
فأما ففيه وجهان : إن كان مشروطا
أحدهما : ينتقض ، قاله الخرقي .
قال أبو الحسن الآمدي : وهو الصحيح في كل ما شرط عليهم تركه ، فصحح قول الخرقي بانتقاض العهد إذا خالفوا شيئا مما شرط عليهم .
[ ص: 1365 ] والثاني : لا ينتقض ، قاله القاضي وغيره .
قال شيخنا : وهاتان الطريقتان ضعيفتان ، والذي عليه عامة المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين إقرار نصوص أحمد على حالها ، وهو قد نص في مسائل سب الله ورسوله على انتقاض العهد في غير موضع وعلى أنه يقتل ، وكذلك فيمن جسس على المسلمين أو زنى بمسلمة على انتقاض عهده وقتله في غير موضع ، وكذلك نقله الخرقي فيمن قتل مسلما أو قطع الطريق .
وقد نص أحمد على أن قذف المسلم وسحره لا يكون نقضا للعهد في غير موضع ، وهذا هو الواجب وهو تقرير المذهب ؛ لأن تخريج حكم إحدى المسألتين إلى الأخرى وجعل الروايتين في الموضعين مسألتين - لوجود الفرق بينهما نصا واستدلالا ، ولوجود معنى يجوز أن يكون مستندا للفرق - غير جائز ، ولم يخرج التخريج .
[ ص: 1366 ] قلت : لفظ القاضي في " التعليق " : مسألة : إذا ومن جريان أحكامنا عليهم صار ناقضا للعهد ، وكذلك إذا امتنع الذمي من بذل الجزية وآحادهم في مال أو نفس ، وهي ثمانية أشياء : فعل ما يجب عليه تركه والكف عنه مما فيه ضرر على المسلمين
[ 1 - ] الاجتماع على قتال المسلمين .
[ 2 - ] وألا يزني بمسلمة .
[ 3 - ] ولا يصيبها باسم نكاح .
[ 4 - ] ولا يفتن مسلما عن دينه .
[ 5 - ] ولا يقطع عليه الطريق .
[ 6 - ] ولا يؤوي للمشركين عينا .
[ 7 - ] ولا يعاون على المسلمين بدلالة - أعني لا يكاتب المشركين بأخبار المسلمين - .
8 - ولا يقتل مسلما .
وكذلك إذا فعل ما فيه إدخال غضاضة ونقص على الإسلام ، وهي أربعة أشياء :
[ 1 - ] ذكر الله .
[ 2 - ] وكتابه .
[ 3 - ] ودينه .
[ 4 - ] ورسوله ، بما لا ينبغي سواء شرط عليهم الإمام أنهم متى فعلوا ذلك كان نقضا لعهدهم أو لم يشرط في أصح الروايتين .
نص عليها في مواضع ، فقال في رواية أحمد بن سعيد في الذمي يمنع الجزية : إن كان واجدا أكره عليها وأخذت منه ، وإن لم يعطها ضربت [ ص: 1367 ] عنقه .
وفي رواية أبي الحارث في نصراني استكره مسلمة على نفسها : يقتل ، ليس على هذا صولحوا ، فإن طاوعته قتل وعليها الحد .
وفي رواية حنبل : كل من ذكر شيئا يعرض به للرب عز وجل فعليه القتل مسلما كان أو كافرا ، وكذلك نقل عنه في يهودي سمع المؤذن يؤذن فقال : " كذبت " يقتل ؛ لأنه شتم . جعفر بن محمد
وفي رواية أبي طالب في يهودي شتم النبي صلى الله عليه وسلم : يقتل ، قد نقض العهد .
وإن زنى بمسلمة يقتل ، أتي عمر بيهودي فحش بمسلمة ثم غشيها فقتله .
وقال الخرقي في الذمي إذا قتل عبدا مسلما : ينتقض عهده .
قال القاضي : وفيه رواية أخرى لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من بذل الجزية وجري أحكامنا عليهم .
وقال في رواية [ يوسف ] بن موسى الموصلي في المشرك إذا قذف [ ص: 1368 ] مسلما يضرب .
وكذلك نقل الميموني في الرجل من أهل الكتاب يقذف العبد المسلم : ينكل به ، يضرب ما يرى الحاكم .
وكذلك نقل عنه عبد الله في نصراني قذف مسلما : عليه الحد .
قال : وظاهر هذا أنه لم يجعله ناقضا للعهد بقذف المسلمين مع ما فيه من إدخال الضرر عليه بهتك عرضه ، انتهى .
فتأمل هذه النصوص ، وتأمل تخريجه لها ، فأحمد لم يختلف قوله في ، ولم يختلف نصه في عدم الانتقاض بقذف المسلم ، فإلحاق مسبة الله ورسوله بمسبة آحاد المسلمين من أفسد الإلحاق ، وتخريج عدم النقض به من نصه على عدم النقض بسب [ ص: 1369 ] آحاد المسلمين من أفسد التخريج ، وأين الضرر والمفسدة من هذا النوع إلى المفسدة من النوع الآخر ؟ وإذا كان المسلم يقتل بسب الله ورسوله ، والزنى مع الإحصان ، ولا يقتل بالقذف ، فكذلك الذمي فالذي نص عليه الإمام انتقاض العهد بسب الله ورسوله والزنى بمسلمة أحمد في الموضعين هو محض الفقه ، والتخريج باطل نصا وقياسا واعتبارا .
واشتراك الصور كلها في إدخال الضرر على المسلم لا يوجب تساويها في مقدار الضرب وكيفيته ، فالمسلم إذا فعل ذلك فقد أدخل الضرر أيضا مع التفاوت في الأحكام .
ثم يقال : يا لله العجب ! ! أين ضرر المجاهرة بسب الله ورسوله وكلامه ودينه على رءوس الملأ ، وقهر المسلمات وإن كن شريفات على الزنى ، إلى ضرر منع دينار يجب عليه من الجزية ! .
وكذلك أين ضرر تحريقه لمساجد المسلمين والمنابر ، إلى ضرر منعه لدينار وجب عليه ! ! فكيف يقتضي الفقه أن يقال : ينتقض عهده بمنع الدينار دون هذه الأمور ؟ وأين ضرر امتناعه من قبول حكم الحاكم إلى ضرر مجاهرته بسب الله ورسوله وما معه ؟
وطريقة أبي البركات في " المحرر " في تحصيل المذهب في ذلك أصح طرق الأصحاب على الإطلاق .
قال : انتقض عهده ، وإن قذف مسلما أو آذاه بسحر في تصرفاته لم ينتقض عهده ، نص عليه في رواية جماعة ، وقيل : ينتقض . وإذا لحق الذمي بدار الحرب متوطنا أو امتنع من إعطاء ما عليه أو التزام أحكام الملة أو قاتل المسلمين
[ ص: 1370 ] وإن فتنه عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق أو زنى بمسلمة أو تجسس للكفار أو آوى لهم جاسوسا أو ذكر الله أو كتابه أو رسوله بسوء ، انتقض عهده ، نص عليه .
وقيل : فيه روايتان بناء على نصه في القذف ، والأصح التفرقة .
وإذا أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه أو ركب الخيل ونحوه عزر ولم ينتقض عهده ، وقيل : إن شرط عليه تركه وإلا فلا .