271 - فصل
[
nindex.php?page=treesubj&link=8641الأمر بقتال الناكثين الطاعنين في الدين ] .
الدليل السادس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15ويذهب غيظ قلوبهم )
[ ص: 1389 ] فأمر سبحانه بقتال الناكثين الطاعنين في الدين ، ورتب على ذلك أشياء : تعذيبهم بأذى المؤمنين ، وخزيهم ، والنصرة عليهم ، وشفاء صدور المؤمنين ، وذهاب غيظ قلوبهم ، وتوبته على غيرهم . والتقدير : إن تقاتلوهم يحصل هذا .
وإذا كانت هذه الأمور مرتبة على قتال الناكث والطاعن في الدين - وهي أمور مطلوبة - كان سببها المقتضي لها مطلوبا للشارع - وهو القتال - وإذا كانت هذه الأمور مطلوبة حاصلة بالقتال لم يجز تعطيل القتال الذي هو سببها مع قيام المقتضي له من جهة من يقاتله ، وهو النكث والطعن في الدين .
فشفاء الصدور الحاصل من ألم النكث والطعن ، وذهاب الغيظ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك ، مقصود للشارع مطلوب الحصول ، ولا ريب أن من أظهر سب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة فإنه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر من سفك دماء بعضهم وأخذ أموالهم ، فإن هذا يثير الغضب لله والحمية له ولرسوله .
وهذا القدر لا يهيج في قلب المؤمن غيظ أكثر منه ، بل المؤمن المسدد لا يغضب هذا الغضب إلا لله ورسوله ، والله سبحانه يحب شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم ، وهذا إنما يحصل بقتل السباب لأوجه :
أحدها : أن [ تعزيره ] وتأديبه يذهب غيظ قلوبهم إذا شتم أحدا من
[ ص: 1390 ] المسلمين ، فلو أذهب التعزير والتأديب غيظ قلوبهم إذا شتم الرسول لكان غيظهم من سب نبيهم مثل غيظهم من سب واحد منهم ، وهذا باطل قطعا .
الثاني : أن شتمه أعظم عندهم من أن يسفك دماء بعضهم بعضا ، ثم لو قتل واحد منهم لم يشف صدورهم إلا قتله ، فأن لا تشفى صدورهم إلا بقتل الساب أولى وأحرى .
الثالث : أن الله جعل قتالهم هو السبب في حصول الشفاء ، والأصل عدم سبب آخر يحصله فيجب أن يكون القتل هو الشافي لصدور المؤمنين من مثل هذا .
الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحت
مكة وأراد أن يشفي صدور
خزاعة - وهم القوم المؤمنون - من
بني بكر الذين قاتلوهم مكنهم منهم نصف النهار أو أكثر مع أمانه لسائر الناس ، فلو كان شفاء صدورهم وذهاب غيظ قلوبهم يحصل بدون القتل للذين نكثوا أو طعنوا لما فعل ذلك مع أمانه الناس .
271 - فَصْلٌ
[
nindex.php?page=treesubj&link=8641الْأَمْرُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ ] .
الدَّلِيلُ السَّادِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=14قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ )
[ ص: 1389 ] فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءَ : تَعْذِيبِهِمْ بِأَذَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَخِزْيِهِمْ ، وَالنُّصْرَةِ عَلَيْهِمْ ، وَشِفَاءِ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَذَهَابِ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ ، وَتَوْبَتِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ . وَالتَّقْدِيرُ : إِنْ تُقَاتِلُوهُمْ يَحْصُلْ هَذَا .
وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مُرَتَّبَةً عَلَى قِتَالِ النَّاكِثِ وَالطَّاعِنِ فِي الدِّينِ - وَهِيَ أُمُورٌ مَطْلُوبَةٌ - كَانَ سَبَبُهَا الْمُقْتَضِي لَهَا مَطْلُوبًا لِلشَّارِعِ - وَهُوَ الْقِتَالُ - وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مَطْلُوبَةً حَاصِلَةً بِالْقِتَالِ لَمْ يَجُزْ تَعْطِيلُ الْقِتَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُهَا مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لَهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ يُقَاتِلُهُ ، وَهُوَ النَّكْثُ وَالطَّعْنُ فِي الدِّينِ .
فَشِفَاءُ الصُّدُورِ الْحَاصِلُ مِنْ أَلَمِ النَّكْثِ وَالطَّعْنِ ، وَذَهَابُ الْغَيْظِ الْحَاصِلِ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ ، مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَغِيظُ الْمُؤْمِنِينَ وَيُؤْلِمُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ بَعْضِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ ، فَإِنَّ هَذَا يُثِيرُ الْغَضَبَ لِلَّهِ وَالْحَمِيَّةَ لَهُ وَلِرَسُولِهِ .
وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَهِيجُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ غَيْظٌ أَكْثَرَ مِنْهُ ، بَلِ الْمُؤْمِنُ الْمُسَدَّدُ لَا يَغْضَبُ هَذَا الْغَضَبَ إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ شِفَاءَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَهَابَ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَتْلِ السَّبَّابِ لِأَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ [ تَعْزِيرَهُ ] وَتَأْدِيبَهُ يُذْهِبُ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ إِذَا شَتَمَ أَحَدًا مِنْ
[ ص: 1390 ] الْمُسْلِمِينَ ، فَلَوْ أَذْهَبَ التَّعْزِيرُ وَالتَّأْدِيبُ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ إِذَا شَتَمَ الرَّسُولَ لَكَانَ غَيْظُهُمْ مِنْ سَبِّ نَبِيِّهِمْ مِثْلَ غَيْظِهِمْ مِنْ سَبِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا .
الثَّانِي : أَنَّ شَتْمَهُ أَعْظَمُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُسْفَكَ دِمَاءُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، ثُمَّ لَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَشْفِ صُدُورَهُمْ إِلَّا قَتْلُهُ ، فَأَنْ لَا تُشْفَى صُدُورُهُمْ إِلَّا بِقَتْلِ السَّابِّ أَوْلَى وَأَحْرَى .
الثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قِتَالَهُمْ هُوَ السَّبَبَ فِي حُصُولِ الشِّفَاءِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ يُحَصِّلُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ هُوَ الشَّافِيَ لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مِثْلِ هَذَا .
الرَّابِعُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فُتِحَتْ
مَكَّةُ وَأَرَادَ أَنْ يَشْفِيَ صُدُورَ
خُزَاعَةَ - وَهُمُ الْقَوْمُ الْمُؤْمِنُونَ - مِنْ
بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ مَكَّنَهُمْ مِنْهُمْ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ أَكْثَرَ مَعَ أَمَانِهِ لِسَائِرِ النَّاسِ ، فَلَوْ كَانَ شِفَاءُ صُدُورِهِمْ وَذَهَابُ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ يَحْصُلُ بِدُونِ الْقَتْلِ لِلَّذِينَ نَكَثُوا أَوْ طَعَنُوا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ أَمَانِهِ النَّاسَ .