الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  المسألة الثانية : تنازعوا هل يوصف الله [ تعالى ] [1] بأنه أوجب على نفسه وحرم على نفسه ، أو لا معنى للوجوب إلا إخباره [2] بوقوعه ، ولا للتحريم [3] إلا إخباره بعدم وقوعه .

                  [ ص: 452 ] فقالت طائفة بالقول الثاني ، وهو قول من يطلق أن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء .

                  وقالت طائفة : بل هو أوجب [4] على نفسه ، وحرم على نفسه كما نطق بذلك الكتاب والسنة في مثل قوله [ تعالى ] [5] كتب ربكم على نفسه الرحمة [ سورة الأنعام : 54 ] وقوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين [ سورة الروم : 47 ] وقوله في الحديث الإلهي [ الصحيح ] [6] " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " [7] .

                  وأما أن العباد يوجبون عليه ويحرمون عليه فممتنع عند أهل السنة [ كلهم ] [8] . ومن قال : إنه أوجب على نفسه [9] أو حرم على نفسه فهذا الوجوب [10] والتحريم يعلم عندهم بالسمع ، وهل يعلم بالعقل ؟ على قولين لأهل السنة .

                  وإذا كانت [11] هذه الأقوال كلها معروفة لأهل السنة ، بل لأهل [ ص: 453 ] المذهب الواحد منهم ، كمذهب أحمد وغيره من الأئمة [12] فمن قال من أهل السنة : إن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء امتنع عنده أن يكون مخلا بواجب أو فاعلا لقبيح ، ومن قال : إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه فهم متفقون على أنه لا يخل بما كتبه على نفسه ولا [13] يفعل ما حرمه على نفسه .

                  فتبين أنه ليس في أهل السنة من يقول إنه يخل بواجب أو يفعل قبيحا ، لكن هذا المبتدع [14] سلك مسلك أمثاله فحكى [15] عن أهل السنة أنهم يجوزون عليه [ تعالى ] [16] الإخلال بالواجب وفعل القبيح .

                  وهذا حكاه بطريق الإلزام لإحدى الطائفتين الذين يقولون : لا يجب عليه شيء فله أن يخل بكل شيء ، فقال : هؤلاء يقولون : ( 6 إنه يخل بالواجب ، أي ما هو عندي واجب . وكذلك هؤلاء يقولون 6 ) [17] : لا يقبح منه شيء . فقال : إنهم جوزوا عليه فعل القبيح ، ( 7 أي : فعل ما هو قبيح عندهم 7 ) [18] أو فعل ما هو قبيح من أفعال العباد . فهذا نقل عنهم بطريق الإلزام الذي اعتقدوه [19] .

                  [ ص: 454 ] وأيضا ، فأهل السنة يؤمنون بالقدر ، وأنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأن الهدى بفضل منه . والقدرية يقولون : إنه يجب عليه أن يفعل بكل عبد ما يظنونه هم واجبا عليه ، ويحرم عليه ضد ذلك ، فيوجبون عليه أشياء ويحرمون [ عليه ] [20] أشياء ، وهو لم يوجبها على نفسه ولا علم وجوبها بشرع ولا عقل ، ثم يحكون عن [21] من لم يوجبها أنه يقول : إن الله يخل بالواجب ، وهذا تلبيس في نقل المذهب وتحريف له .

                  [ وأصل قول هؤلاء القدرية تشبيه الله بخلقه في الأفعال ، فيجعلون ما حسن منه حسن من العبد ، وما قبح من العبد قبح منه ، وهذا تمثيل باطل ] [22] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية