الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " وإلا لكان محدثا " فمضمونه أنه لو كان جسما أو في مكان لكان محدثا .

                  [ فيقال له : قد بينا ما ينفى عنه من معاني الجسم والمكان ، وبينا ما لا يجوز نفيه عنه ، وإن سماه بعض الناس جسما ومكانا ، لكن ما الدليل على أنه لو كان كذلك لكان محدثا ] [1] وأنت [2] لم تذكر دليلا على ذلك ؟

                  [ ص: 146 ] وكأنه [3] اكتفى بالدليل المشهور الذي يذكره [ سلفه ] وشيوخه [4] المعتزلة : من أنه لو كان جسما لم يخل عن الحركة والسكون ، وما لم يخل [5] عن الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها . ثم يقولون : ولو [ كان ] قام به [6] علم وقدرة وحياة وكلام [7] ونحو ذلك من الصفات لكان جسما .

                  وهذا الدليل عنه [8] جوابان : أحدهما : أن يقال [ له : هو ] عندك [9] حي عليم قدير ، ومع هذا فليس بجسم عندك ، مع أنك لا تعلم حيا عليما قديرا [10] إلا جسما فإن كان قولك [11] حقا أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة ، وأن يكون مباينا للعالم عاليا عليه وليس بجسم .

                  فإن قلت : لا أعقل مباينا عاليا إلا جسما ؛ قيل لك : ولا يعقل حي عليم قدير إلا جسم ، فإن أمكن أن يكون مسمى [12] بهذه الأسماء ما ليس بجسم ، أمكن أن يتصف بهذه الصفات ما ليس بجسم ، وإلا فلا ; لأن الاسم [13] مستلزم للصفة .

                  [ ص: 147 ] وكذلك إذا قال : لو كان فوق العالم لكان جسما ، ولكان إما أكبر من العالم وإما أصغر وإما مساويا له ، وكل ذلك ممتنع ، فيقال له : إن كثيرا من الناس يقولون : إنه فوق العالم وليس بجسم .

                  فإذا قال النافي [14] : قول هؤلاء معلوم فساده بضرورة العقل ، قيل له : فأنت تقول : إنه موجود قائم بنفسه ، وليس بداخل في العالم ولا خارج عنه ، ولا مباين له ولا محايث [15] له ، وأنه لا يقرب منه شيء ولا يبعد منه شيء ، [ ولا يصعد إليه شيء ] [16] ولا ينزل منه شيء ، وأمثال ذلك من النفي الذي إذا عرض على الفطرة السليمة جزمت جزما قاطعا أن هذا باطل وأن وجود مثل هذا ممتنع ، وكان جزمها ببطلان هذا أقوى من جزمها ببطلان كونه فوق العالم وليس بجسم .

                  فإن كان حكم الفطرة السليمة مقبولا وجب بطلان مذهبك ، فلزم أن يكون فوق العالم ، وإن كان مردودا بطل ردك لقول من يقول : إنه فوق العالم وليس بجسم ، فإن الفطرة الحاكمة بامتناع هذا هي الحاكمة بامتناع هذا ، فيمتنع قبول حكمها في أحد الموضعين دون الآخر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية