الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 194 ] وهذا غلط من وجوه : أحدها : أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء ، لا قوم إبراهيم ولا غيرهم ، ولا توهم أحدهم [1] أن كوكبا أو القمر أو الشمس خلق هذا العالم ، وإنما كان قوم إبراهيم مشركين يعبدون هذه الكواكب زاعمين أن في ذلك جلب منفعة أو دفع مضرة ، على طريقة الكلدانيين [2] والكشدانيين [3] " [ وغيرهم من المشركين أهل الهند وغيرهم ] [4] ، وعلى طريقة هؤلاء صنف الكتاب الذي صنفه أبو عبد الله بن الخطيب الرازي [5] في السحر والطلسمات [6] ودعوة الكواكب [7] ، وهذا دين المشركين من [ ص: 195 ] الهند والخطا [8] والنبط [9] والكلدانيين والكشدانيين [10]

                  ولهذا قال الخليل : ( ياقوم إني بريء مما تشركون ) [ سورة الأنعام : 77 ] وقال : ( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) [ سورة الشعراء : 75 - 77 ] ، وأمثال ذلك .

                  وأيضا ، فالأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب ، ليس هو الحركة والانتقال [11] .

                  [ ص: 196 ] وأيضا ، فلو كان احتجاجه [12] بالحركة والانتقال لم ينتظر [ إلى ] [13] أن يغيب ، بل كان نفس [14] الحركة التي يشاهدها من حين تطلع إلى أن [15] تغيب هي [16] الأفول .

                  وأيضا ، فحركتها [17] بعد المغيب والاحتجاب غير مشهودة ولا معلومة .

                  وأيضا ، فلو كان قوله : ( هذا ربي ) أي [18] : هذا رب العالمين ، لكانت قصة إبراهيم [ عليه السلام ] [19] حجة عليهم ; لأنه [20] حينئذ لم تكن الحركة عنده [21] مانعة من كونه رب العالمين ، وإنما المانع هو الأفول [22] .

                  ولما [23] حرف هؤلاء لفظ " الأفول " سلك ابن سينا [ هذا المسلك ] [24] [ ص: 197 ] في " إشاراته " [25] فجعل الأفول هو الإمكان ، وجعل كل ممكن آفلا ، وأن الأفول هوي في حظيرة الإمكان [26] وهذا يستلزم أن يكون ما سوى الله آفلا [27] .

                  ومعلوم أن هذا من أعظم الافتراء على اللغة والقرآن ومن أعظم القرمطة ولو كان كل ممكن آفلا لم يصح قوله : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ) فإن قوله : ( فلما أفل ) يقتضي حدوث الأفول له ، وعلى قول هؤلاء المفترين على اللغة والقرآن : " الأفول " لازم له لم يزل ولا يزال آفلا [28] ، ولو كان مراد إبراهيم بالأفول الإمكان ، والإمكان حاصل في الشمس والقمر والكوكب في كل وقت ، لم يكن به حاجة إلى أن ينتظر أفولها .

                  وأيضا ، فجعل القديم الأزلي الواجب [ بغيره ] [29] أزلا وأبدا ممكنا قول انفرد به ابن سينا ومن تابعه [30] ، وهو قول [31] مخالف لجمهور العقلاء من سلفهم وخلفهم [32] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية