[ ص: 198 ] والمقصود هنا أنه لما ظهرت الجهمية نفاة الصفات وفي التوحيد ، وكان هذا من الكلام المذموم عند السلف والأئمة ، فصار الناس في لفظ " الجسم " على ثلاثة أقوال : تكلم الناس في " الجسم " وفي إدخال لفظ " الجسم " في أصول الدين
طائفة تقول : إنه جسم ، وطائفة تقول : ليس بجسم ، وطائفة تمتنع عن إطلاق القول بهذا ، وهذا لكونه بدعة في الشرع أو لكونه [1] في العقل يتناول حقا وباطلا ، فمنهم من يكف عن التكلم في ذلك ، ومنهم من يستفصل المتكلم [2] : فإن ذكر في النفي أو الإثبات [3] معنى صحيحا قبله ، وعبر عنه بعبارة شرعية [4] ، لا يعبر عنها بعبارة مكروهة في الشرع ; وإن ذكر معنى باطلا رده .
وذلك أن لفظ " الجسم " فيه اشتراك بين معناه في اللغة ومعانيه المصطلح عليها ، وفي المعنى منازعات عقلية ، فيطلقه كل قوم بحسب اصطلاحهم وحسب اعتقادهم ، فإن الجسم عند أهل اللغة هو البدن ، أو البدن ونحوه مما هو غليظ كثيف ، هكذا نقله غير واحد من أهل اللغة .
ومنه قوله تعالى : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) [ سورة المنافقون : 4 ] وقوله تعالى : ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) [ سورة البقرة : 247 ] .
ثم قد يعنى به نفس الشيء الغليظ الكثيف ، وقد يعنى به نفس غلظه وكثافته .
[ ص: 199 ] وعلى هذا فالزيادة في الجسم الذي هو الطول والعرض وهو القدر ، وعلى الأول فالزيادة في نفس المقدر الموصوف .
وقد يقال : هذا الثوب له جسم ، أي : غلظ وثخن ، ولا يسمى الهواء جسما ، ولا النفس الخارج من فم [5] الإنسان ونحو ذلك عندهم [6] جسما .