[ ص: 194 ] : أحدها : أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء ، لا قوم وهذا غلط من وجوه إبراهيم ولا غيرهم ، ولا توهم أحدهم [1] أن كوكبا أو القمر أو الشمس خلق هذا العالم ، وإنما كان قوم إبراهيم مشركين يعبدون هذه الكواكب زاعمين أن في ذلك جلب منفعة أو دفع مضرة ، على طريقة الكلدانيين [2] والكشدانيين [3] " [ وغيرهم من المشركين أهل الهند وغيرهم ] [4] ، وعلى طريقة هؤلاء صنف الكتاب الذي صنفه أبو عبد الله بن الخطيب الرازي [5] في السحر والطلسمات [6] ودعوة الكواكب [7] ، وهذا دين المشركين من [ ص: 195 ] الهند والخطا [8] والنبط [9] والكلدانيين والكشدانيين [10]
ولهذا قال الخليل : ( ياقوم إني بريء مما تشركون ) [ سورة الأنعام : 77 ] وقال : ( أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) [ سورة الشعراء : 75 - 77 ] ، وأمثال ذلك .
وأيضا ، فالأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب ، ليس هو الحركة والانتقال [11] .
[ ص: 196 ] وأيضا ، فلو كان احتجاجه [12] بالحركة والانتقال لم ينتظر [ إلى ] [13] أن يغيب ، بل كان نفس [14] الحركة التي يشاهدها من حين تطلع إلى أن [15] تغيب هي [16] الأفول .
وأيضا ، فحركتها [17] بعد المغيب والاحتجاب غير مشهودة ولا معلومة .
وأيضا ، فلو كان قوله : ( هذا ربي ) أي [18] : هذا رب العالمين ، لكانت قصة إبراهيم [ عليه السلام ] [19] حجة عليهم ; لأنه [20] حينئذ لم تكن الحركة عنده [21] مانعة من كونه رب العالمين ، وإنما المانع هو الأفول [22] .
ولما [23] حرف هؤلاء لفظ " الأفول " سلك [ هذا المسلك ] ابن سينا [24] [ ص: 197 ] في " إشاراته " [25] فجعل الأفول هو الإمكان ، وجعل كل ممكن آفلا ، وأن الأفول هوي في حظيرة الإمكان [26] وهذا يستلزم أن يكون ما سوى الله آفلا [27] .
ومعلوم أن هذا من أعظم الافتراء على اللغة والقرآن ومن أعظم القرمطة ولو كان كل ممكن آفلا لم يصح قوله : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ) فإن قوله : ( فلما أفل ) يقتضي حدوث الأفول له ، وعلى قول هؤلاء المفترين على اللغة والقرآن : " الأفول " لازم له لم يزل ولا يزال آفلا [28] ، ولو كان مراد إبراهيم بالأفول الإمكان ، والإمكان حاصل في الشمس والقمر والكوكب في كل وقت ، لم يكن به حاجة إلى أن ينتظر أفولها .
وأيضا ، فجعل القديم الأزلي الواجب [ بغيره ] [29] أزلا وأبدا ممكنا قول انفرد به ومن تابعه ابن سينا [30] ، وهو قول [31] مخالف لجمهور العقلاء من سلفهم وخلفهم [32] .