الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقد يعبرون عن الجسم بالمركب أو المؤلف [1] ، ومعنى ذلك عندهم أعم من معناه في اللغة ، فإن المركب [2] والمؤلف في اللغة ما ركبه مركب أو ألفه مؤلف ، كالأدوية المركبة من المعاجين والأشربة ونحو ذلك ، وبالمركب ما ركب على غيره أو فيه [3] ، كالباب المركب في موضعه ونحوه .

                  ومنه قوله تعالى : ( في أي صورة ما شاء ركبك ) [ سورة الانفطار : 8 ] . وبالتأليف : التوفيق بين القلوب ونحو ذلك . ومنه قوله تعالى : [ ص: 201 ] ( والمؤلفة قلوبهم ) [ سورة التوبة : 60 ] ، وقوله : ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) [ سورة الأنفال : 63 ] ، وقوله : ( إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) [ سورة آل عمران : 103 ] .

                  وللناس اصطلاحات في المؤلف والمركب ، كما للنحاة اصطلاح ، فقد يعنون بذلك الجملة التامة ، وقد يعنون به [4] ما ركب تركيب مزج كبعلبك ، وقد يعنون به المضاف وما يشبهه وهو ما ينصب في النداء .

                  وللمنطقيين ونحوهم من أهل الكلام اصطلاحات أخر يعنون به ما دل جزؤه على جزء معناه ، فيدخل في ذلك المضاف إذا قصد به الإضافة دون العلمية ، فلا [5] يدخل فيه بعلبك ونحوه .

                  ومنهم من يسوي بين المؤلف والمركب ومنهم من يفرق بينهما ، وهذا كله تأليف في الأقوال .

                  وأما التأليف في الأعيان ، فأولئك إذا قالوا : [ إن ] [6] الجسم هو المؤلف والمركب ، لم يعنوا [7] به ما كان مفترقا فاجتمع ولا ما يقبل التفريق ، بل يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب ، كالشمس والقمر وغيرهما من الأجسام .

                  وأما المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم [8] أعم من هذا ، يدخلون [ ص: 202 ] في ذلك تأليفا عقليا لا يوجد في الأعيان ، ويدعون أن النوع مؤلف من الجنس والفصل ، فإذا قلت : الإنسان حيوان ناطق ، قالوا : الإنسان مؤلف من هذين ، وإنما هو موصوف بهما .

                  ثم تنازع [9] هؤلاء في الجسم : هل هو مركب من أجزاء لا تقبل القسمة ، وهي الجوهر الفرد عندهم ، وهو شيء لم يدركه أحد بحسه ، وما من شيء نفرضه إلا وهو أصغر منه عند القائلين به ; أو مركب من المادة والصورة تركيبا عقليا ؟

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية