وقد يعبرون عن الجسم بالمركب أو المؤلف [1] ، ومعنى ذلك عندهم أعم من معناه في اللغة ، فإن المركب [2] والمؤلف في اللغة ما ركبه مركب أو ألفه مؤلف ، كالأدوية المركبة من المعاجين والأشربة ونحو ذلك ، وبالمركب ما ركب على غيره أو فيه [3] ، كالباب المركب في موضعه ونحوه .
ومنه قوله تعالى : ( في أي صورة ما شاء ركبك ) [ سورة الانفطار : 8 ] . وبالتأليف : التوفيق بين القلوب ونحو ذلك . ومنه قوله تعالى : [ ص: 201 ] ( والمؤلفة قلوبهم ) [ سورة التوبة : 60 ] ، وقوله : ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) [ سورة الأنفال : 63 ] ، وقوله : ( إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) [ سورة آل عمران : 103 ] .
وللناس اصطلاحات في المؤلف والمركب ، كما للنحاة اصطلاح ، فقد يعنون بذلك الجملة التامة ، وقد يعنون به [4] ما ركب تركيب مزج كبعلبك ، وقد يعنون به المضاف وما يشبهه وهو ما ينصب في النداء .
وللمنطقيين ونحوهم من أهل الكلام اصطلاحات أخر يعنون به ما دل جزؤه على جزء معناه ، فيدخل في ذلك المضاف إذا قصد به الإضافة دون العلمية ، فلا [5] يدخل فيه بعلبك ونحوه .
ومنهم من يسوي بين المؤلف والمركب ومنهم من يفرق بينهما ، وهذا كله تأليف في الأقوال .
وأما التأليف في الأعيان ، فأولئك إذا قالوا : [ إن ] [6] الجسم هو المؤلف والمركب ، لم يعنوا [7] به ما كان مفترقا فاجتمع ولا ما يقبل التفريق ، بل يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب ، كالشمس والقمر وغيرهما من الأجسام .
وأما [8] أعم من هذا ، يدخلون [ ص: 202 ] في ذلك تأليفا عقليا لا يوجد في الأعيان ، ويدعون أن النوع مؤلف من الجنس والفصل ، فإذا قلت : الإنسان حيوان ناطق ، قالوا : الإنسان مؤلف من هذين ، وإنما هو موصوف بهما . المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم
ثم تنازع [9] هؤلاء في الجسم : هل هو مركب من أجزاء لا تقبل القسمة ، وهي الجوهر الفرد عندهم ، وهو شيء لم يدركه أحد بحسه ، وما من شيء نفرضه إلا وهو أصغر منه عند القائلين به ; أو مركب من المادة والصورة تركيبا عقليا ؟